حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ , قَالَ : ثنا شُعْبَةُ وَهِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ , كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوَاهِبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ . وَقَالُوا : لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ كَالرُّجُوعِ فِي الْقَيْءِ وَكَانَ رُجُوعُ الرَّجُلِ فِي قَيْئِهِ حَرَامًا عَلَيْهِ كَانَ كَذَلِكَ رُجُوعُهُ فِي هِبَتِهِ . وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا : لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً عَلَى حَالِهَا لَمْ تُسْتَهْلَكْ وَلَمْ يَزِدْ فِي بَدَنِهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْوَاهِبِ وَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُثِبْهُ أَيْ : لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا ثَوَابًا . فَإِنْ كَانَ أَثَابَهُ مِنْهَا ثَوَابًا وَقَبِلَ ذَلِكَ الثَّوَابَ مِنْهُ أَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ الْوَاهِبِ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا . فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَاهِبُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَكِنَّهَا امْرَأَةٌ وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا أَوْ زَوْجٌ وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ فَهُمَا فِي ذَلِكَ كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ لِصَاحِبِهِ . وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَعَلَ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا مَنِ الْعَائِدُ فِي قَيْئِهِ . فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الرَّجُلَ الْعَائِدَ فِي قَيْئِهِ فَيَكُونَ قَدْ جَعَلَ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِيمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ مَا قَالَ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى . وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْكَلْبَ الْعَائِدَ فِي قَيْئِهِ وَالْكَلْبُ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ فَيَكُونُ الْعَائِدُ فِي قَيْئِهِ عَائِدًا فِي قَذَرٍ كَالْقَذَرِ الَّذِي يَعُودُ فِيهِ الْكَلْبُ فَلَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ مَنْعُ الْوَاهِبِ مِنَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ . فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ هَلْ نَجِدُ فِي الْآثَارِ مَا يَدُلُّنَا عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مَا هُوَ ؟
فَإِذَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السُّوءِ الرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ : ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ ، قَالَ : ثنا وُهَيْبٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنَّمَا أَرَادَ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ تَنْزِيهَ أُمَّتِهِ عَنْ أَمْثَالِ الْكِلَابِ لَا أَنَّهُ أَبْطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الرُّجُوعُ فِي هِبَاتِهِمْ . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْكَلَامُ أَيْضًا الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ : ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ قَالَ ثنا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ : ثنا رَوْحٌ قَالَ : ثنا عَوْفٌ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : مَثَلُ الَّذِي يَعُودُ فِي عَطَائِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ أَكَلَ حَتَّى إِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ فَأَكَلَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ فِي مَعْنًى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَا : ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ : حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَاسْتَأْمَرَهُ فِي ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ فَلِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى أَنْ يَبْتَاعَ مَالًا جَعَلَهُ صَدَقَةً
حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَنَّ مَالِكًا ، حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، يَقُولُ حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبْتَاعَهُ مِنْهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ هُوَ ضِدُّ الْغَلَاءِ . فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : لَا تَبْتَعْهُ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ ، قَالَ : ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ أَبْصَرَ فَرَسًا تُبَاعُ فِي السُّوقِ وَكَانَ تَصَدَّقَ بِهِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَشْتَرِيهِ ؟ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تَشْتَرِهِ وَلَا شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ أَيْ مِمَّا يُنْتِجُهُ مِنَ الْوَلَدِ فَمَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَبْتَاعَ مَا كَانَ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ نِتَاجِهِ وَجَعَلَهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ . فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمُوجِبِ حُرْمَةِ ابْتِيَاعِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ بِهَا وَلَكِنْ تَرْكُ ذَلِكَ أَفْضَلُ لَهُ . فَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا لِمَا ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَكِنَّهُ لِأَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ
وَقَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ : ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ : ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ فَقَالَ قَائِلٌ فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ مِنَ الرَّجُلِ لِغَيْرِ وَلَدِهِ . قِيلَ لَهُ : مَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتَ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَصَفَ ذَلِكَ الرُّجُوعَ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِتَغْلِيظِهِ إِيَّاهُ لِكَرَاهِيَةِ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ مَثَلُ السُّوءِ . وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِذِي مَرَّةٍ سَوِيٍّ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَلَكِنَّهَا عَلَى مَعْنَى لَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالزَّمَانَةِ . فَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَيْضًا لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا تَحِلُّ لَهُ الْأَشْيَاءُ الَّتِي قَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ . وَلَمْ يَجْعَلْ لِمَنْ فَعَلَهَا مَثَلًا كَالْمَثَلِ الَّذِي جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِلْعَائِدِ فِي هِبَتِهِ . وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْعَوْدُ فِيهَا بِالرُّجُوعِ وَالِابْتِيَاعِ وَغَيْرِهِ ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ . فَذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِلْوَالِدِ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَهَبَ لِابْنِهِ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ إِلَى ذَلِكَ وَفَقْرِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّ مَا يَجِبُ لِلْوَلَدِ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْهُ يَكُونُ مَثَلُهُ فِيهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ الْمُتَرَاجِعِ فِي قَيْئِهِ . وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ لِفَقْرِهِ فَلَمْ يُضَيِّقْ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ
حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : ثنا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ رَجُلًا ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْطَيْتُ أُمِّي حَدِيقَةً وَإِنَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : وَجَبَتْ صَدَقَتُكَ وَرَجَعَتْ إِلَيْكَ حَدِيقَتُكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : أَفَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ أَبَاحَ لِلْمُتَصَدِّقِ صَدَقَتَهُ لَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ وَمَنَعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنِ ابْتِيَاعِ صَدَقَتِهِ . فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إِبَاحَةُ الصَّدَقَةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى الْمُتَصَدِّقِ بِفِعْلِ اللَّهِ وَكَرَاهَةُ الصَّدَقَةِ الرَّاجِعَةِ إِلَيْهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ . فَكَذَلِكَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْأَبِ عَنْ مَالِ الِابْنِ لِحَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ وَجَبَتْ لَهُ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهَا لَهُ . فَأَبَاحَ لَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِذَلِكَ ارْتِجَاعَ هِبَتِهِ وَإِنْفَاقَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَ ذَلِكَ كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ لَا كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ بِالِابْتِيَاعِ وَالِارْتِجَاعِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ خَصَّ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوَالِدَ الْوَاهِبَ دُونَ سَائِرِ الْوَاهِبِينَ . أَفَيَكُونُ حُكْمُ الْوَلَدِ فِيمَا وَهَبَ لِأَبِيهِ خِلَافَ حُكْمِ الْوَالِدِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ ؟ قِيلَ لَهُ : بَلْ حُكْمُهُمَا فِي هَذَا سَوَاءٌ فَذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا يُجْزِئُ مِنْ ذِكْرِهِ إِيَّاهُمَا وَمِنْ ذِكْرِ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ حُكْمُهُ فِي هَذَا مِثْلُ حُكْمِهِمَا . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ }} . فَحَرَّمَ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا بِالْأَنْسَابِ . ثُمَّ قَالَ {{ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ }} وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعَةِ غَيْرَ هَاتَيْنِ . فَكَانَ ذِكْرُهُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ سَائِرَ مَنْ حُرِّمَ بِالنَّسَبِ فِي حُكْمِ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ وَأَغْنَاهُ ذِكْرُ هَاتَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَاهُمَا فِي ذَلِكَ إِذْ كَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَهُنَّ فِي التَّحْرِيمِ بِالْأَنْسَابِ فَجَعَلَ حُكْمَهُنَّ حُكْمًا وَاحِدًا . فَدَلَّ تَحْرِيمُهُ بَعْضَهُنَّ أَيْضًا بِالرَّضَاعِ أَنَّ حُكْمَهُنَّ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ وَاحِدٌ . فَكَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا قَالَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ فَعَمَّ بِذَلِكَ النَّاسَ جَمِيعًا . ثُمَّ قَالَ إِلَّا الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ سِوَى الْوَالِدِ مِنَ الْوَاهِبِينَ فِي رُجُوعِ الْهِبَاتِ إِلَيْهِمْ يُرِدِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهَا كَذَلِكَ وَأَغْنَاهُ ذِكْرُ بَعْضِهِمْ عَنْ ذِكْرِ سَائِرِهِمْ . فَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ مَا يَدُلُّنَا عَلَى أَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ بِنَقْضِهِ إِيَّاهَا حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَيَرُدَّهَا إِلَى مِلْكِهِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي أَخْرَجَهَا مِنْهُ بِالْهِبَةِ . فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا .
فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : ثنا حَنْظَلَةُ عَنْ سَالِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى يُثَابَ مِنْهَا بِمَا يَرْضَى
وَإِذَا يُونُسُ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيِّ ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ , أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الثَّوَابُ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا فَهَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ فَجَعَلَ الصَّدَقَاتِ لَا يَرْجِعُ فِيهَا وَجَعَلَ الْهِبَاتِ عَلَى ضَرْبَيْنِ . فَضَرْبٍ مِنْهَا صِلَةُ الْأَرْحَامِ فَرَدَّ ذَلِكَ إِلَى حُكْمِ الصَّدَقَاتِ وَمَنَعَ الْوَاهِبَ مِنَ الرُّجُوعِ فِيهَا وَضَرْبٍ مِنْهَا خِلَافُ ذَلِكَ فَجَعَلَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ مَا لَمْ يَرْضَ مِنْهُ
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : ثنا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْرَقُ ، قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عُمَرَ ، قَالَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ جَازَتْ وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ ، قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ، قَالَ : ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى ، عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ الْوَاهِبُ أَحَقُّ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا فَهَذَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ جَعَلَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي هِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا . فَذَلِكَ عِنْدَنَا عَلَى الْوَاهِبِ الَّذِي جَعَلَ لَهُ الرُّجُوعَ فِي هِبَتِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْهُ قَبْلَ هَذَا حَتَّى لَا يَتَضَادَّ قَوْلُهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ . وَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : ثنا شُعْبَةُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الْقَاسِمِ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ سُلَيْمَانَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ ، قَالَ : ثنا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصُبِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَأَتَاهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ . فَقَالَ أَحَدُهُمَا : إِنِّي وَهَبْتُ لِهَذَا بَازِيًا عَلَى أَنْ يُثِيبَنِي فَلَمْ يَفْعَلْ . فَقَالَ الْآخَرُ : وَهَبَ لِي وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا . فَقَالَ لَهُ فَضَالَةُ : ارْدُدْ إِلَيْهِ هِبَتَهُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ النِّسَاءُ وَسُقَّاطُ الرِّجَالِ
حَدَّثَنَا فَهْدٌ ، قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصُبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ إِذْ جَاءَهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ فِي بَازٍ . فَقَالَ أَحَدُهُمَا : وَهَبْتُ لَهُ بَازِيًا وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُثِيبَنِي مِنْهُ . فَقَالَ الْآخَرُ : نَعَمْ قَدْ وَهَبَ لِي بَازِيًا مَا سَأَلْتُهُ وَمَا تَعَرَّضْتُ لَهُ ؟ فَقَالَ لَهُ فَضَالَةُ ارْدُدْ إِلَيْهِ هِبَتَهُ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْهِبَاتِ النِّسَاءُ وَشِرَارُ الْأَقْوَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا
مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ : ثنا أَبُو صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ الْمَوَاهِبُ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ وَهَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَوْهَبَ فَهِيَ كَسَبِيلِ الصَّدَقَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي صَدَقَتِهِ . وَرَجُلٌ اسْتُوهِبَ فَوَهَبَ فَلَهُ الثَّوَابُ فَإِنْ قَبِلَ عَلَى مَوْهِبَتِهِ ثَوَابًا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ . وَرَجُلٌ وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فَهَذَا أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ جَعَلَ مَا كَانَ مِنَ الْهِبَاتِ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ الصَّدَقَاتِ فِي حُكْمِ الصَّدَقَاتِ . وَمَنَعَ الْوَاهِبَ مِنَ الرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ كَمَا يُمْنَعُ الْمُتَصَدِّقُ مِنَ الرُّجُوعِ فِي صَدَقَتِهِ . وَجَعَلَ مَا كَانَ مِنْهَا بِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ ثَوَابٌ مِمَّا يَرْجِعُ فِيهِ مَا لَمْ يُثَبِ الْوَاهِبُ عَلَيْهِ . وَجَعَلَ مَا اشْتُرِطَ فِيهِ الْعِوَضُ فِي حُكْمِ الْمَبِيعِ فَجَعَلَ الْعِوَضَ لِوَاهِبِهِ وَاجِبًا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فَهَذَا حُكْمُ الْهِبَاتِ عِنْدَنَا ، فَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا مِنِ انْقِطَاعِ رُجُوعِ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ لِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِاسْتِهْلَاكِهِ الْهِبَةَ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ حَدَّثَنَا صَالِحٌ ، قَالَ : ثنا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : ثنا يَحْيَى ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عُمَرَ ، مِثْلَهُ يَعْنِي : مِثْلَ حَدِيثِهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَزَادَ وَيَسْتَهْلِكُهَا أَوْ يَمُوتُ أَحَدُهُمَا . فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتِهْلَاكَ الْهِبَةِ يَمْنَعُ وَاهِبَهَا مِنَ الرُّجُوعِ فِيهَا وَجَعَلَ مَوْتَ أَحَدِهِمَا يَقْطَعُ مَا لِلْوَاهِبِ فِيهَا مِنَ الرُّجُوعِ أَيْضًا فَكَذَلِكَ نَقُولُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ فِي الْهِبَةِ نَظِيرُ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ : ثنا أَبُو عُمَرَ قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ : سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُ : أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ مَنْ أَعْطَى فِي قَرَابَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ صِلَةٍ فَعَطِيَّتُهُ جَائِزَةٌ وَالْجَانِبُ الْمُسْتَقْرَبُ يُثَبْ مِنْ هِبَتِهِ أَوْ يُرَدُّ عَلَيْهِ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : ثنا سُفْيَانُ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ شُرَيْحٍ ، مِثْلَهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَمَّا هِبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ
فَإِنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا أَبُو عُمَرَ قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ امْرَأَةً وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا هِبَةً ثُمَّ رَجَعَتْ فِيهَا فَاخْتَصَمَا إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ لِلزَّوْجِ شَاهِدَاكَ أَنَّهُمَا رَأَيَاهَا وَهَبَتْ لَكَ مِنْ غَيْرِ كُرْهٍ وَلَا هَوَانٍ وَإِلَّا فَيَمِينُهَا لَقَدْ وَهَبَتْ لَكَ عَنْ كُرْهٍ وَهَوَانٍ فَهَذَا شُرَيْحٌ قَدْ سَأَلَ الزَّوْجَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا وَهَبَتْ لَهُ لَا عَنْ كُرْهٍ بَعْدَ ارْتِجَاعِهَا فِي الْهِبَةِ . فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ لَوْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ لَرَدَّ الْهِبَةَ إِلَيْهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهَا الرُّجُوعُ فِيهَا . وَقَدْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي هِبَتِهِ إِلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَجَعَلَ الْمَرْأَةَ فِي هَذَا كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَهَكَذَا نَقُولُ . وَأَمَّا هِبَةُ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ
فَإِنَّ أَبَا بَكْرَةَ حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا أَبُو عُمَرَ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ : قَالَ إِبْرَاهِيمُ : إِذَا وَهَبَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا أَوْ وَهَبَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، أَنَّهُ قَالَ : الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ إِذَا وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فَجُعِلَ الزَّوْجَانِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَمَنَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الرُّجُوعِ فِيمَا وَهَبَ لِصَاحِبِهِ فَهَكَذَا نَقُولُ . وَقَدْ وَصَفْنَا فِي هَذَا مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ فِي الْهِبَاتِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ إِذْ لَمْ نَعْلَمْ عَنْ أَحَدٍ مِثْلِ مَنْ رَوَيْنَاهَا عَنْهُ خِلَافًا لَهَا . فَتَرَكْنَا النَّظَرَ مِنْ أَجْلِهَا وَقَلَّدْنَاهَا . وَقَدْ كَانَ النَّظَرُ لَوْ خَلَّيْنَا وَإِيَّاهُ خِلَافَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ; لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهَا بِهِبَةِ إِيَّاهَا وَصَارَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ دُونَهُ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ مَا قَدْ مَلَكَ عَلَيْهِ إِلَّا بِرِضَاءِ مَالِكِهِ . وَلَكِنِ اتِّبَاعُ الْآثَارِ وَتَقْلِيدُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْلَى فَلِذَلِكَ قَلَّدْنَاهَا وَاقْتَدَيْنَاهَا . وَجَمِيعُ مَا بَيَّنَّا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ