حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا ، وَلَكِنْ لِيُشَرِّقْ ، أَوْ لِيُغَرِّبْ . قَالَ أَبُو أَيُّوبَ : فَلَمَّا قَدِمْنَا الشَّامَ وَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ جُعِلَتْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ ، فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ . حَدَّثَنَا عَلِيٌّ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ مَرَاحِيضَ ، وَأَحَدُهَا مِرْحَاضٌ ، وَهِيَ الْمَذَاهِبُ بِبِنَاءٍ ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَرَافِقَ ، يَعْنِي الْكُنُفَ ، وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ نُزُلٌ ، وَأَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ ، كُلُّ هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ مَوْضِعِ الْغَائِطِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أنا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ إِسْحَاقَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ أَوِ الْبَوْلَ فَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِفَرْجِهِ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ ، فَقَالَتْ : طَائِفَةٌ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ قَالَتْ : لَا يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَا اسْتِدْبَارُهَا بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ فِي الْبَرَارِي وَالْمَنَازِلِ ، هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَوَقَّى فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُيُوتِ ، وَكَرِهَ مُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ ذَلِكَ . وَحُجَّةُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ ظَاهِرُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ عَنِ الْعُمُومِ . وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ . هَذَا قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَكَانَ يَقُولُ : وَأَيْنَ أَنْتَ مِنْهَا ، وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، ثنا حَجَّاجٌ ، ثنا حَمَّادٌ ، أَخْبَرَنِي خَالِدٌ الْحَذَّاءُ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرُوا اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِالْفُرُوجِ ، فَقَالَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : قَدْ فَعَلُوهَا اسْتَقْبَلُوا بِمِقْعَدِي إِلَى الْقِبْلَةِ وَبِأَحَادِيثَ قَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمُ : الْأَشْيَاءُ عَلَى الْإِبَاحَةِ ، وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْبَابِ مُخْتَلِفَةٌ ، وَلَا يُعْرَفُ نَاسِخُهَا مِنْ مَنْسُوخِهَا ، فَوَجَبَ إِيقَافُ الْخَبَرَيْنِ وَحَمْلُ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْإِبَاحَةِ الَّتِي كَانَتْ لَمَّا خَفِيَ النَّاسِخُ مِنَ الْخَبَرَيْنِ . وَفَرَّقَتْ فِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ بَيْنَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الصَّحَارِي وَالْمَنَازِلِ فَنَهَتْ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّحَارِي ، وَرَخَّصَتْ فِيهِ فِي الْمَنَازِلِ ، رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ هَذَا الْمَعْنَى . حُكِيَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِلْغَائِطِ أَتَرَى الْبُيُوتَ مِثْلَ الصَّحَارِي ؟ قَالَ : لَا ، وَلَا أَرَى فِي الْبُيُوتِ شَيْئًا . وَحُكِيَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبُيُوتِ : أَحَبُّ عِنْدِي ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّحَارِي بِخَبَرِ أَبِي أَيُّوبَ ، وَاحْتَجَّ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْمَنَازِلِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أنا يَحْيَى ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : وَيَقُولُ نَاسٌ : إِذَا قَعَدْتَ لِلْغَائِطِ فَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ ، وَلَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : لَقَدْ ظَهَرْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَالِسًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ . وَدَفَعَ أَبُو ثَوْرٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِأَنْ قَالَ : خَالِدُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ . وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ ، فَإِنَّ مَخْرَجَهُ حَسَنٌ وَقَالَ غَيْرُ أَحْمَدَ : خَالِدٌ مَعْرُوفٌ ، قَدْ رَوَى عَنْهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ ، وَالْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ ، وَوَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَأَصَحُّ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مَذْهَبُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّحَارِي وَالْمَنَازِلِ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى الْعُمُومِ إِلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ ، فَيَكُونُ مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ . وَإِنَّمَا تَكُونُ الْأَخْبَارُ مُتَضَادَّةً إِذَا جَاءَتْ جُمْلَةً فِيهَا ذِكْرُ النَّهْيِ ، يُقَابِلُ جُمْلَةَ مَا فِيهَا ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ ، فَلَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بِطَرْحِ مَا ضَادَّهَا ، وَسَبِيلُ هَذَا كَسَبِيلِ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ جُمْلَةً ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا ، فَبَيْعُ الْعَرِيَّةِ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ ، وَكَذَلِكَ نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْمَرْءِ وَإِذْنُهُ فِي السَّلَمِ ، وَهَذَا الْوَجْهُ مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ السُّنَنِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . فَلَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ نَهْيًا عَامًّا وَاسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرًا الْكَعْبَةَ ، كَانَ إِبَاحَةُ ذَلِكَ فِي الْمَنَازِلِ مَخْصُوصٌ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ