عنوان الفتوى : الأدب في وصف النبي صلى الله عليه وسلم والحديث عنه
تكملة لسؤالي السابق برقم 2152356 حتى إذا بلغت المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال لهما: على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي. رواه البخاري. وبسلوك الـ "جنتلمان" العاشق، يحكي لنا أنس أن جاراً فارسياً لرسول الله كان يجيد طبخ المرق، فصنع لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) طبقاً ثم جاء يدعوه، فرفض سيدنا محمد الدعوة مرتين؛ لأن جاره لم يدع معه عائشة للطعام، وهو ما فعله الجار في النهاية! خير الرومانسية! وبغض النظر عن السعادة التي يتمتع بها أي انسان في جوار رسول الله، فإن زوجات نبينا الكريم كن يتمتعن بسعادة زوجية تحسدهن عليها كل بنات حواء، فمن منا لا تتمنى أن تعيش بصحبة زوج يراعي حقوقها ويحافظ على مشاعرها أكثر من أي شيء، بل ويجعل من الاهتمام بالأهل والحنو عليهم وحبهم معيارا لخيرية الرجل صلى الله عليه وسلم "خيركم.. خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". رواه الترمذي وابن ماجة. وتحكي عائشة أنها كانت تغتسل مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في إناء واحد، فيبادرها وتبادره، حتى يقول لها دعي لي، وتقول له دع لي، وعنها قالت: "كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي (صلى الله عليه وسلم) فيضع فاه (فمه) على موضع في (فمي)". رواه مسلم والنسائي. وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض". رواه أحمد. على كثرة عددهن كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القائد والرسول يتفقد أحوالهن ويريد للود أن يبقى ويستمر، فعن ابن عباس قال: "وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا صلى الصبح جلس في مصلاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس ثم يدخل على نسائه امرأة امرأة يسلم عليهن ويدعو لهن. فإذا كان يوم إحداهن كان عندها". فتح الباري، شرح صحيح البخاري. بيت النبوة وفي عصر يبتعد عن الرفاهية آلاف السنين كان الرسول المحب خير معين لزوجاته.. فقد روي عن السيدة عائشة في أكثر من موضع أنه كان في خدمة أهل بيته، فقد سئلت عائشة ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله -أي خدمة أهله-. رواه البخاري. وفي حادثة أخرى أن عائشة سئلت ما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعمل في بيته؟ قالت: "كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم". وظل محمد عليه الصلاة والسلام على وفائه للسيدة خديجة زوجته الأولى طوال حياتها، فلم يتزوج عليها قط حتى ماتت، وبعد موتها كان يجاهر بحبه لها أمام الجميع، وكان يبر صديقاتها إكراماً لذكراها، حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقول: "ما غرت من أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد". رواه البخاري. فهل يجوز هذا الموضوع شرعاً، أفتونا أثابكم الله؟ ودمتم برعاية الله وحفظه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز وصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأوصاف التافهة التي ذكرت في المقال مثل (الرومانسي أو الجنتلمان..) لما في ذلك من التنقيص من مقام النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الرومانسي أصلها من رومانس (romance ) باللغة الإنجليزية، ومعناها قصة تتضمن مغامرات عاطفية خيالية تجنح إلى عدم العقلانية، ولهذا يقول بول فاليري: لا بد أن يكون المرء غير متزن العقل إذا حاول تعريف الرومانسية. وراجع للمزيد الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة.
وأما (جنتل مان) فهي وإن كانت تعني الرجل اللطيف أو النبيل؛ إلا إن إطلاقها يوهم مشابهة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل الأوروبي الذي يطلق عليه هذا الوصف لحسن خلقه وإن كان كافراً ملحداً يرتكب الفواحش ويفعل المحرمات.
ومن يقول ذلك بقصد الاستهزاء فقد خرج من ملة الإسلام بإجماع المسلمين، لقول الله تعالى: قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ* لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة:66}، وبإمكانك أن تطلع على ما يجوز أن يوصف به النبي صلى الله عليه وسلم أو يسمى به في الفتوى رقم: 76378، والفتوى رقم: 26115.
وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم الغاية القصوى في كمال النفس وحسن الأخلاق... يتجلى ذلك في حياته كلها وفي معاملاته مع كل من حوله وما حوله، وما ذكر من تكريمه لنسائه وحبه لهن ما هو إلا مثال على ذلك.. ليعلم العرب الجفاة في ذلك الوقت والأمة من بعدهم حسن الخلق ولا سيما مع الأهل، وأن المرأة التي يقللون من شأنها هي إنسان محترم يستحق كل التكريم والمحبة والاحترام.
والله أعلم.