عنوان الفتوى : كيف أحقق التوحيد ، وما هو الجزاء الموعود ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كيف يمكن للعبد أن يحقق التوحيد لله تعالى ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
فقد سألتَ ـ وفقك الله ـ عن أمر عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، نسأل الله أن ييسر لنا ولإخواننا المسلمين كل خير .
اعلم أن تحقيق التوحيد إنما يكون بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، وشهادة أن محمداً رسول الله وهذا التحقيق له درجتان : ( درجة واجبة ، ودرجة مستحبة )
فالدرجة الواجبة تتحقق بثلاثة أمور :
1) ترك الشرك بجميع أنواعه الأكبر والأصغر والخفي .
2) ترك البدع بأنواعها .
3) ترك المعاصي بأنواعها .
والدرجة المستحبة وهي التي يتفاضل فيها الناس ويتفاوتون تفاوتاً عظيماً وهي : أن لا يكون في القلب شيء من التوجه لغير الله أو التعلق بسواه ؛ فيكون القلب متوجهاً بكليته إلى الله ليس فيه التفات لسواه ، نطقه لله ، و فعله وعمله لله ، بل وحركة قلبه لله جل جلاله ، وهذه الدرجة يعبر بعض أهل العلم عنها بأنها :
ترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس ، وذلك يشمل أعمال القلوب واللسان والجوارح .
ولابد لتحقيق هاتين الدرجتين من أمور :
أولها : العلم ، وإلا فكيف يحقق التوحيد ويعمل به من لا يعرفه ويفهمه ، فواجب على كل مكلف أن يتعلم من توحيد الله ما يُصَحِّحُ به معتقده وقوله وعمله ، ثم ما زاد فهو فضلٌ وخيرٌ.
ثانيها : التصديق الجازم واليقين الراسخ بما ورد عن الله وعن نبيه صلى الله عليه وسلم من أخبار ، وأقوال .
ثالثها : الانقياد والامتثال لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بفعل المأمورات ، و ترك المحظورات والمنهيات .
وكلما كان الإنسان أكثر تحقيقاً لهذه الأمور كان توحيده أعظم وثوابه أكبر .
وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن من حقق الدرجة العليا من التوحيد فهو موعود بأن يكون مع السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ـ نسأل الله من فضله ـ
ففي صحيح البخاري (5705) ومسلم (220) عن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فَقِيلَ لِي هَذَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ هُمْ الَّذِينَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ولا يكتوون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ أَنْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ " قوله : ( لَا يَسْتَرْقُونَ ) أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم .وإن كان طلب الرقية جائزاً لكنه خلاف الأولى والأفضل .
وقوله :( وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ) أي لا يقعون في التشاؤم بالطير أو بغيرها مما يتشاءم منه الناس فيتركون بعض ما عزموا على فعله بسبب هذا التشاؤم .والتشاؤم محرم وهو من الشرك الأصغر .
وقوله :(وَلَا يَكْتَوُونَ ) فيتركون الاكتواء بالنار في علاج أمراضهم ولو ثبت لهم نفعه لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم له . ولأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار .
فالصفة المشتركة في هذه الصفات الثلاثة أن أصحابها ( على ربهم يتوكلون ) أي حققوا أكمل درجات التوكل وأعلاها ، فلم يعد في قلوبهم أدنى التفات للأسباب ، ولا تعلق بها بل تعلقهم بربهم وحده سبحانه .
والتوكل هو جماع الإيمان كما قال سعيد بن حبيب ، بل هو الغاية القصوى كما يقول وهب بن منبه رحمه الله .
وتجد في السؤال رقم ( 4203 ) مزيدا من الكلام على هذا الحديث فراجعه لأهميته . والله أعلم وأحكم .
وبعد : فليس تحقيق التوحيد بالتمني ،ولا بالتحلي ، ولا بالدعاوى الخالية من الحقائق ، وإنما بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان ، وحقائق الإحسان؛ وصدقته الأخلاق الجميلة والأعمال الصالحة الجليلة . فعلى المسلم أن يبادر لحظات العمر ، ويسابق ساعات الزمن في المبادرة إلى الخيرات ، والمنافسة في الطاعات ، وليستهون الصعب ، وليستلذ الألم ، فإن سلعة الله غالية . إن سلعة الله الجنة .
ينظر ( القول السديد على مقاصد كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ20-23 )
والله أعلم