عنوان الفتوى : ينبغي التمييز بين الإصلاح بين الناس التدخل في ما لا يعني
أشكو إلى الله ثم إليكم خوفي وشكي في نفسي أنا مدرسة عصبية أمام الغلط لا أسكت على غلط وأحب من قلبي صديقاتي وأسعى إلى أن أصلح ما فسد فى حياتهن مع أزواجهن بنصيحة كتومة لأسرارهن لا أحسد أبداً إذا وفقن فى حياتهن أعترف لك يا شيخي أنني صريحة وإذا ساءني شيء فى عملي تكلمت ولا أهاب أحداً صراحتي وجهري سبب لي كرها خفيا ممن حولي من صديقاتي أنا لا أكره أحدا وهن يظهرن الحب لي ويخفين وجها آخر أنا لا أهاب أحدا إلا الله، أخاف أن يكون معنى حديث رسول الله: أن الله إذا أحب شخصا نادى ملائكته إني أحببت فلان فأحبوه، وإذا كرهه فلا ينادي ملائكته وخلقه أن أحبوه فيحبوه، فماذا أفعل فى حياتي هل أغير حياتي، كيف أتصرف مع الناس وكيف أحسن حالي معهم، ويعلم الله أنني طيبة معهم أحبهم مخلصة في صداقتي أخاف الله فى عملي متزوجة ولي 3 أطفال فكيف أحسن نفسي لا أستطيع أن أخفي شيئا فى قلبي إذا بدر من أحد سوءا حتى تجاه شخص آخر أقوم وأدافع عنه وهذا تدخل فيما لا يعنيني! فأرجوكم دلوني على تصرف إسلامي يرضيني ويرضي ديني وكيف أغير طبعي الذي لا يعجب أحدا، وكيف أكون محبوبة والله ما كانت تصرفاتي كلها إلا صوابا؟ جزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت -كما ذكرت- طيبة مع الناس وتحبينهم، ومخلصة في صداقتك، وتخافين الله في عملك، تحبين صديقاتك وتسعين في إصلاح ما فسد في حياتهم مع أزواجهن.... فلن تكوني -إن شاء الله تعالى- ممن ورد فيهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعلى أية حال فإننا ننصحك فيما طلبت فيه النصح بما رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. واعلمي أن هذا الحديث لا يقتضي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين، وإنما يقتضي ترك المرء ما لا يهمه ولا يليق به من خصوصيات غيره، وما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه، قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث: ومعنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال: عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه.... فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات... وترك ما لا يعنيه كله من المحرمات أو المشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها، فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه. انتهى بتصرف بسيط.
وقال الإمام الغزالي رحمه الله: وحدُّ الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مآل...
فلا تتوقفي عن السعي في الإصلاح بين الناس ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولو أبغضك بعض الناس جراء ذلك، فقد أخرج الترمذي وغيره: أن معاوية رضي الله عنه كتب إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن اكتبي إلي كتاباً توصيني فيه ولا تكثري علي. فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية سلام عليك أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. والسلام عليكم.
والله أعلم.