عنوان الفتوى : الاشتغال بالصلاة أفضل أم قراءة القرءان
سؤالي: أنا شاب ولله الحمد أحافظ على صلواتي وبفضل الله تعالى أحب الصلاة ، وعندما أذهب للمسجد لانتظار الصلاة أحب أن أقضي انتظاري وأنا أصلي، فأفضل الصلاة على باقي الأمور الخيرية، ولكن أشعر أحيانا أن قضاء وقت في الصلاة يبعد عن قراءة القران من المصحف حيث إنني لا أقرأ إلا جزءا أو جزءين فقط يوميا من المصحف. فأرجو منكم نصحي وكذلك توجيهي ولكم مني فائق الاحترام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه و تعالى أن يثبتك على طاعته، ويزيدك حرصا عليها، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص في القول والعمل فإنه ولي ذلك والقادر عليه، ثم إن كلا العملين -يعني الصلاة وقراءة القرآن- من أجلّ القربات وأعظمها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. ولا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ويعظم الأجر في القراءة إذا كانت من المصحف؛ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 17165.
وكذلك الصلاة.. فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد ربيعة بن كعب لما سأله مرافقته في الجنة فقال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، ولفظ الحديث كما في مسلم: عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال : كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك، قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود. فلو اقتصرت على الصلاة في هذه الفترة كنت في عبادة عظيمة، ولو اقتصرت على قراءة القرآن كنت كذلك والحمد لله، ولو جمعت بين العبادتين فلا بأس بذلك أيضا.
أما الأفضل.. فقد ذكر أهل العلم أن الاشتغال بالصلاة أفضل من قراءة القرءان. وذلك -والله أعلم- لأنها تشتمل على القراءة والركوع والسجود والذكر والدعاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وَالْأَفْضَلُ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ أَحْوَالِ النَّاسِ، فَمِنْ الْأَعْمَالِ مَا يَكُونُ جِنْسُهُ أَفْضَلَ، ثُمَّ يَكُونُ تَارَةً مَرْجُوحًا أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ. كَالصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ، وَالذِّكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ، ثُمَّ الصَّلَاةُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ - كَمَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَوَقْتِ الْخُطْبَةِ - مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَالِاشْتِغَالُ حِينَئِذٍ إمَّا بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ اسْتِمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ، ثُمَّ الذِّكْرُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ هُوَ الْمَشْرُوعُ. دُونَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ هُوَ الْمَشْرُوعُ دُونَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ. انتهى.
ثم ذكر رحمه الله تعالى أن الأفضلية في ذلك قد تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فقال: وَمِنْ النَّاسِ مَنْ تَكُونُ الْقِرَاءَةُ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ الذِّكْرُ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ اجْتِهَادُهُ فِي الدُّعَاءِ لِكَمَالِ ضَرُورَتِهِ أَفْضَلَ لَهُ مِنْ ذِكْرٍ هُوَ فِيهِ غَافِلٌ، وَالشَّخْصُ الْوَاحِدُ يَكُونُ تَارَةً هَذَا أَفْضَلَ لَهُ، وَتَارَةً هَذَا أَفْضَلَ لَهُ، وَمَعْرِفَةُ حَالِ كُلِّ شَخْصٍ، وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ لَهُ لَا يُمْكِنُ ذِكْرُهُ فِي كِتَابٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ هِدَايَةٍ يَهْدِي اللَّهُ بِهَا عَبْدَهُ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ، وَمَا صَدَقَ اللَّهَ عَبْدٌ إلَّا صَنَعَ لَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .انتهى.
أما إذا كان مشتغلا بحفظ القرءان والتفقه فيه، فقد ذكر أهل العلم أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، مع التنبيه على أنه لا ينبغي أن يشتغل عن رواتب الصلاة القبلية والبعدية بغيرها من النوافل. وللفائدة يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 53260.
والله أعلم.