عنوان الفتوى : أقوال العلماء في التائب الحائز للمال الحرام
زوجي كان له ملهى ليلي في بلاد المهجر يبيع فيه الحشيش والخمر للأجانب هذا قبل أن أتزوج به وكان مدمنا على جميع أنواع المخدرات، كما أنه كان لا يعرف من هو الله حتى تزوجت به فتغيرت الموازين فتاب إلى الله إلا شيء واحد لم يستطع التخلي عنه وهو المال الحرام نظراً لظروفه الصحية التي وصل إليها، فما حكم هذا المال، وما حكم إخراج الزكاة أو الصدقة منه، فهو تخلى عن هذا العمل إلا أنه يقول لا يستطيع التخلي عن هذا المال لأنه تعب فيه كثيراً وقد يموت من الجوع وقد يتسبب له هذا إلى الرجوع إلى ما كان عليه أو أكثر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد لله الذي منّ على زوجك بالتوبة، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبته ويتم عليه نعمته، وأما المال الذي اكتسبه ببيع الخمر والحشيش ونحو ذلك، فللعلماء فيه ثلاثة أقوال:
الأول: يجب على التائب أن يتخلص منه كله بصرفه في المشاريع الخيرية والبحث عن مال حلال ينفق منه على نفسه وعلى من يعول، ولا يبرر له تعبه في جمعه التصرف فيه والانتفاع به.
الثاني: جواز الأخذ من المال الحرام لنفقة التائب مع وجوب التخلص من الزائد، قال الإمام النووي رحمه الله نقلاً عن الغزالي -في معرض كلامه عن المال الحرام والتوبة- منه ما نصه: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيراً، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته، لأنه أيضاً فقير. انتهى.
وقال النووي معلقاً على قول الغزالي: وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه. انتهى.
وقال ابن رجب في القواعد وهو حنبلي: لا يجوز لمن هي في يده الأخذ منها على المنصوص، وخرج القاضي جواز الأكل له منها إذا كان فقيراً على الروايتين. انتهى.
الثالث: لا يجب على التائب الحائز للمال الحرام التخلص من شيء منه، إلا أنه يرد عين الحرام لأصحابه إذا علموا، ويحتفظ بجميع الباقي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والتوبة كالإسلام، فإن الذي قال: الإسلام يهدم ما كان قبله، هو الذي قال: التوبة تهدم ما كان قبلها، وذلك في حديث واحد من رواية عمرو بن العاص. رواه أحمد ومسلم، فإذا كان العفو عن الكافر لأجل ما وجد من الإسلام الماحي والحسنات يذهبن السيئات، ولأن في عدم العفو تنفيراً عن الدخول، لما يلزم الداخل فيه من الآصار والأغلال الموضوعة على لسان هذا النبي، فهذا المعنى موجود في التوبة عن الجهل والظلم، فإن الاعتراف بالحق والرجوع إليه حسنة يمحو الله بها السيئات، وفي عدم العفو تنفير عظيم عن التوبة، وآصار ثقيلة وأغلال عظيمة على التائبين، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبدل لعبده التائب بدل كل سيئة حسنة، على ظاهر قوله: يبدل الله سيئاتهم حسنات، فإذا كانت تلك التي تاب منها صارت حسنات لم يبق في حقه بعد التوبة سيئة أصلاً، فيصير ذلك القبض والعقد من باب المعفو عنه، ويصير ذلك الترك من باب العفو عنه، فلا يجعل تاركاً لواجب ولا فاعلاً لمحرم، وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة، وقال: من لم يلتزم أداء الواجب وإن لم يكن كافراً في الباطن ففي إيجاب القضاء عليه تنفير عظيم عن التوبة، فإن الرجل قد يعيش مدة طويلة لا يصلي ولا يزكي، وقد لا يصوم أيضاً، ولا يبالي من أين كسب المال، أمن حلال أم من حرام، ولا يضبط حدود النكاح والطلاق وغير ذلك، فهو في جاهلية، إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب عليه فإن أوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات، وأمره برد جميع ما اكتسبه من الأموال، والخروج عما يحبه من الأبضاع صارت التوبة في حقه عذاباً، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه، فإن توبته من الكفر رحمة، وتوبته وهو مسلم عذاب. انتهى.
والذي نرجحه من ذلك -والله أعلم- هو أن يأخذ من هذا المال ما يكفيه ويتخلص من الباقي.
والله أعلم.