عنوان الفتوى : الإلهامات الإلهية والإيحاءات الشيطانية في الرؤيا
أود الاستفسار بارك الله فيكم عن موضوع الرؤيا حيث إن الإنسان يرى الرؤيا ويستبشر خيراً إن شاء الله تعالى، فقرأت من مقال لأحد الشيوخ أنه قد يوهم عالم الجن بعض الناس بصلاحهم من الرؤيا الصادقة وحصولها والرؤى التي تخبر الإنسان بحصول أمر طيب له أو لمن يحب قبل حدوثها ومن ثم تحدث، فهل حقا يستطيع الجن ونحن نعلم أنه لا يعلم الغيب أن يتمكن من هذا الفعل، مع العلم بأني لا أنام إلا بعد قراءة آية الكرسي والأذكار ونحن والحمد لله نحاول جهدنا السير على خطى الكتاب والسنة وحتى لا يبقى في خاطرنا أي سؤال عن هذا الموضوع ولكي نستقر عينا وتطمئن نفوسنا أكثر فأكثر فأفتونا؟ بارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان. رواه البخاري ومسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له. رواه مسلم.
وفي حديث البخاري: الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان. وروى ابن ماجه عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا ثلاثة: منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة. وصححه الألباني أيضاً.
فقد جعل الله تعالى -لحكمة أرادها سبحانه وتعالى- قوة وقدرة للشيطان على الاتصال بنفس الإنسان، والوسوسة لها بالشر، فالشيطان عدو للإنسان، كما قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا {فاطر:6}، وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم، ففي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم.
وبناء على هذه الأحاديث فإن الشيطان يمكن أن يتدخل في أحلام الإنسان ويوسوس له فيها ليحزنه وليضله، وقد جعل الله تعالى له القدرة على ذلك في هذه الدنيا ابتلاء وامتحاناً، فالأمر كله بيد الله تعالى، ولا يخرج شيء منه عن مشيئته وإرادته.... وليعلم أنه ليس في صدق الرؤيا السارة دليل على صلاح الرائي بل العبرة بصلاح العبد، وقد وصف الله الصالحين بقوله: لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ {آل عمران:113-114}، فمدار الأمر على استقامة الحال وسلامة المعتقد، وكما قال السلف: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء، فلا تغتروا بعمله، حتى يعرض على الكتاب والسنة.
فيجب على المسلم أن يعرف الفرق بين الإلهامات الإلهية والإيحاءات الشيطانية، حتى لا يقع في شراك المبطلين، فالإلهامات الإلهية هي ما يحصل لمن كان مستقيم الظاهر والباطن على شرع الله تعالى في الاعتقاد، والقول والعمل، وأما الإيحاءات الشيطانية فهي ما يحصل لأولياء الشيطان من الزنادقة والمبتدعة المنحرفين الضالين، والعقل لا يمنع حصول هذا الأمر فإن الشيطان قد يسرق على العبد شيئاً ثميناً ثم يريه إياه في المنام مطروحاً في مكان معين فيظنها كرامة وإنما هي لعبة من الشيطان، وأما من كان يحافظ على آية الكرسي فنرجو له السلامة من لعب الشيطان به، ففي حديث أبي هريرة أن الشيطان قال له إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك الشيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقول الشيطان، قال: صدقك وهو كذوب. رواه البخاري.
والله أعلم.