عنوان الفتوى : سفر المرأة بغير محرم لحفظ القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم يا شيخ عندي مشكلة وهي: أن والدي مصاب بداء البخل وعندما أريد أن أطلب منه أي نقود أكون خائفة جداً بالرغم من أني لا أريد هذه النقود في أي أشياء ترفيهية، ولكني أريدها في الضرورات، وأنا يا شيخ بفضل الله أتممت دراستي الجامعية ولكن لم يمن الله علي بالعمل وذلك لقلة فرص العمل في بلدي ولأنها أيضا تتطلب أن يكون المتقدم حاصلا على الكثير من دورات الكمبيوتر والتي رفض أبي أن أدرس أيا منها، ولكن لأن الله عالم بالحال كما يقولون فقد وفقني الله إلى دورة كمبيوتر تعتبر شبه مجانية أي أنهم يجمعوا منا بعض المبالغ الرمزية كل فترة لكتابة استمارة لتعلم برنامج جديد أو لشراء كتاب ولم أكن أعلم بهذه المبالغ الرمزية في بداية الدورة ولذلك فقد قلت لأبي إنها دورة مجانية ولكن بعد ذلك كنت أضطر أن أطلب منه هذه المبالغ فكان يعنفني لكثرة مطالبي ولأني قد قلت له إنها دورة مجانية، وسؤالي يا شيخ هو: أني في بعض الأحيان أضطر للكذب عليه لكي آخذ منه بعض النفقات التي أحتاج إليها وذلك فى أي أمر، فهل ما أفعله حرام، علما بأني لا أنفق النقود إلا في أشياء أحتاج إليها بالفعل، عرفت معلومة يا شيخ وهي أن الرسول قد أجاز لزوجة أبي سفيان أن تأخذ من ماله دون علمه، ولكن على قدر كفايتها دون تبذير، فهل يحق لي أنا أيضا أن آخذ من مال أبي هذه المبالغ الرمزية التي قد ذكرتها من قبل دون علمه تجنبا لكلامه الجارح وغضبه، ويعلم الله يا شيخ أني لن أنفق هذه النقود على نفسي ولكن سوف أقوم بدفعها للدورة، علما بأن هذا المبلغ هو 15 جنيها مصريا إني لا أريد أن أغضب الله يا شيخ ولكني تعبت نفسيا جدا من بخل أبي فأرشدني إلى الطريق المستقيم؟ سؤال آخر يتعلق بأبي أيضا وهو أنني يا شيخ فتاة منقبة وأقوم الآن بحفظ القرآن في مسجد في محافظة غير التى أسكن بها ولكنها تبعد عن محافظتي 45 دقيقة بالأتوبيس وسبب إصراري على الحفظ في هذا المسجد بالذات أن هذا المسجد يوم الحفظ وهو يوم واحد في الأسبوع يكون أشبه ما يكون بخلية النحل ويملأه جو روحاني لم أجده في الكثير من المساجد فى محافظتي حيث تجد الجدية والإصرار واتباع منهج النبي وسنته فى كل شيء، ولكن المشكلة يا سيدي في والدي أنه لو علم أني أسافر إلى مدينة أخرى لمجرد حفظ كتاب الله فلن يوافق أبداً وهذا ليس خوفا علي، ولكن بسبب ما يدفعه لي من نقود ثمنا لمواصلاتي ما بين البلدتين ولذلك فقد قلت له إني أتدرب فى أحد المكاتب الهندسية وذلك دون مقابل طبعا فوافق على مضض، علما يا شيخ أن أمي جزاها الله كل الخير تعلم كل تحركاتي جيداً ولا أخفي عنها أي شيء لأنها تعلم جيداً أني أريد فعلا حفظ كتاب الله وقد قال الرسول الكريم: (اطلبوا العلم ولو في الصين)، فهل على إثم لكذبي على والدي ولكني يا شيخ إذا اضطررت إلى الحفظ في البيت فلن أحفظ أي شيء فأنت يا شيخ تعلم جيدا ما تفعله الصحبة الصالحة حيث إنني أعيش في بيت بعيد تماما عن التدين بسبب والدي وأخي, فأبي يصلي ولكن معاملته مع أمي ومعي وإخوتي سيئة جداً، ولذلك فأنا أعتبر الفترة التي أقضيها في المسجد من أحب الأوقات لدي وتكون حافزاً نفسيا على تحمل الحياة مع أبي، فأبي يا سيدي لا يهمه شيء في هذه الحياة إلا النقود ونفسه فقط وهو يا سيدي لم يكن يريدني أن أرتدي النقاب أبداً إلى أن أحضرت له ما يثبت أن النقاب فرض وأني غير مرتاحة نفسيا لكشف وجهي في ظل تفشي الفساد في مجتمعاتنا وهو لم يقتنع أيضا، ولكن قال لي اعملي ما تريدين وأبي أيضا يا سيدي جالس أمام التلفاز ليلا نهارا ويرى الكثير من الأشياء التي لا تليق وبعضها يكون إباحيا وأخي مثله تماما بل أكثر لأنه ما زال في عنفوان شبابه، سيدي أردت أن أوضح لك الصورة كاملة لكي ترى مدى احتياجى لتلك الفترة التي أقضيها بالمسجد بعيداً عن هذا البيت الذي أحس أن الشياطين تملأه، أرجو أن تدعو لي ولأمي بالصبر والثبات ولأبي وأخي بالهداية، وآسفة لطول رسالتي؟ ولكم مني جزيل الشكر والعرفان، أوردت في رسالتي أكثر من نقطة للرد عليها فأرجو كل الرجاء ألا تغفلوا عن أي نقطة منها، أرجو الرد على البريد الإلكتروني الخاص بي وعدم نشره في الموقع إلا إذا كنتم ترون عكس ذلك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يمن عليك وعلى أمك بالصبر والثبات، وعلى أبيك وأخيك بالهداية، وقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن خبر: اطلبوا العلم ولو بالصين. حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، كما بين ذلك الشيخ الألباني وغيره.
كما ينبغي أن تعلمي أن سوء أخلاق الوالد وتقصيره في الحقوق الواجبة عليه سواء كانت لله تعالى أو كانت للمخلوقات، لا تسقط من حقه على الأبناء شيئاً، فالوالد مهما كانت حالته يجب بره والإحسان إليه، ويحرم عقوقه ولو كان كافراً، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.
فننصحك أولاً بالحد من هذه اللهجة والكلام النابئ تجاه والدك، ثم مما يجب معرفته أن المرأة لا يجوز أن تسافر إلا مع ذي محرم، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. فما تقومين به من الذهاب كل أسبوع إلى مدينة أخرى غير التي تسكنينها لا يجوز دون محرم إن كان في العرف عندكم أنه سفر.
وبالنسبة لما سألت عنه من الكذب للحصول على بعض مال الأب، وكذا التحايل من أجل ذلك، فمن المعلوم أن الكذب حرام، ولكن جوزه المحققون من أهل العلم في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحاً، وإن كان واجباً فهو واجب.
وقال ابن القيم في زاد المعاد ج2ص145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه.... كما أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهند بنت عتبة -لما ضن أبو سفيان رضي الله عنه عليها بحقها في النفقة-: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. وهو دليل على أن التحايل لأخذ الحقوق إذا منعت من مستحقيها جائز.
ولكن ينبغي أن تعلمي أن أباك ليس ملزماً شرعاً بمصاريف دراستك، ولا بما تحتاجين إليه من دورات كومبيوتر أو غيره، وقد بينا ذلك من قبل، فلك أن تراجعي فيه الفتوى رقم: 59707.
وبناء على جميع ما ذكر فما تقومين به من الكذب للحصول على بعض مال أبيك لا يجوز، ولا يجوز كذلك أخذه دون علمه.
والله أعلم.