عنوان الفتوى : لا يجوز التصرف بأموال اليتامى إلا بما فيه مصلحتهم
أتقدم بهذه القصة راجيا أن تفتوني لأن شكوكا راودتني في مال اليتيم . القصة هي : توفي عم لي يوم 22 /05/98 وترك زوجته وبنتين 18 و16 سنة و 3 أطفال 14 و 11 و 5 وله 3 إخوة منهم أبي و 3 أخوات وحاله مستور ولم يترك شيئا ومسكنه بعيد عنا، وفاته إثر حادث إذ انقلب به جراره الفلاحي و تشوه الجرار دفن عمي ونقل الجرار إلى مكان آمن وبعد مرور ثلاثة... اتصلت أنا بزوجته وقلت لها بأني سأكفلها هي وأبناؤها فيما يخص المأكل والمشرب أما تربية الأطفال فلا أتدخل كما طلبت منها أن لا تقبل الصدقات وسارت الأمور كذلك إذ أقدم لها كل أسبوع مبلغا مع مصاريف ظرفية كالدراسة والتداوي وبدأت أسعى بين مصالح التأمينات قصد الحصول على دية بعد سنة ولما رأيت بأن لا أحد تقدم إلى الجرار تقدمت إليه أنا وقمت بإصلاح كل ما فسد منه وبعد إصلاحه طلبت منها أن أقوم ببيعه ورأت هي أن تمسكه لتشغله وتعيل العائلة منه أقنعتها أنا ببيعه فامتثلت وبيع بمبلغ : 000 338 د.ج وأعطيتها المبلغ كله فرفضت وطلبت مني أن أضعه لها في حسابها بعد فتحه وقلت لها أنا إذا تركت هذا المال عندي فسأبقى أعطيها بالطريقة السابقة وإنما أحسب نصف ما أعطيها علي والنصف الآخر يحسب من مالها فإن انقضى هذا المال سأواصل إعطاءهم كما في السابق وإن و ضعته في حسابها فسأنقطع عن إعطائها ما دام لديها مال حتى ينقضي هذا المال وبعدها سأعيد إعطاءها من جديد فرأت هي أن أبقي المال عندي ونستمر كما بدأنا. وكان بمسكنهم عدة نقائص فقمنا وبطلب منها وقبول ورضا مني ببعض الإضافات وهاته الأشغال بدأتها قبل عملية إصلاح الجرار ولكن تم بيع الجرار قبل إنهاء الأشغال فحسبت 80 بالمئة من مالهم و 20 بالمئة من مالي وبعد سنة اتصلت بنا شركة التأمين وسلمت لنا مبلغ 000 200 د.ج وهو نصف مبلغ الدية وطلبت مني زوجته أن أشغله لهم ورفضت أنا وقلت لها نفس ماقلته لها في المرة السابقة انطلاقا من مبدأ أني أعطيهم إذا كانوا محتاجين فرأت مرة أخرى أن أبقي المال عندي وواصلنا بنفس المعاملة بعد هذا بأشهر جاءتنا ورقة من الضمان الاجتماعي تطالب المرحوم بتسديد ما عليه من ديون فاتصلت بهم أنا وأخبرتهم بوفاته منذ 3 سنين ، فنصحوني بدفع المبلغ ثم طلب الدية مع منحة التقاعد لزوجته ومنح للأولاد القصر وكذلك فعلت واستلمنا مبلغ 000 92 د.ج كدية مع منحة التقاعد للزوجة وتتقاضاها حاليا ولكنها لا تستغلها بحيث تبقى في حسابها وكل المبلغ مازال إلى يومنا هذا. وبعد نصف سنة اتصلت بنا شركة التأمين من جديد وسلمت لنا مبلغ 000 227 د.ج وهو النصف المتبقي من مبلغ الدية وطلبت مني زوجته أن أبقي المال عندي وواصلنا المعاملة نفسها . أود أن أضيف بأن بعض العائلات اللاتي كان حالهم أحسن من حال عائلة عمي قبل وفاته أصبحن يتمنين حال عائلة عمي الآن بحيث لم تتفرق العائلة وبقيت مصانة ومعززة إلى يومنا هذا وكل هذا بفضل الله. ولكن الابن الأكبر يبلغ الآن من العمر 22 سنة ولا بد من أن نفترق يوما رغم أني بمثابة الأب أو الأخ الأكبر لهم ولا أود أن أخرج خاسرا في آخرتي. فإن حان وقت الفراق سيدي ، فهل بإمكاني التخلي عنهم وليس علي شيء تجاهم وتجاه ربي أم علي أن أرجع لهم كل مالهم الذي أخدته كما شرحت سابقا أم ماذا ؟ وأردت أن أبعث بتفاصيل المعاملات ولكن لا أتمكن من إدخالها بحيث يقول لي بأن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أحسنت في خوفك من أن تكون قصَّرت في حق الأيتام، فإن مال اليتيم شأنه عظيم عند الله. قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا {النساء: 10}.
وثمت ملاحظة لا بد من إبدائها، وهي قولك لتلك المرأة عند كل مبلغ تستفيده: أنا إذا تركت هذا المال عندي فسأبقى أعطيها بالطريقة السابقة وإنما أحسب نصف ما أعطيها علي والنصف الآخر يحسب من مالها، فإن انقضى هذا المال سأواصل إعطاءهم كما في السابق، وإن وضعته في حسابها فسأنقطع عن إعطائها ما دام لديها مال حتى ينقضي هذا المال وبعدها سأعيد إعطاءها من جديد. هذه العبارة تفيد أنك تحرص على أن يبقى المال عندك كي تستثمره لحسابك الخاص، ويتأكد هذا فيما ذكرته بعد ذلك في قولك: وطلبت مني زوجته أن أشغله لهم ورفضت أنا وقلت لها نفس ما قلته لها في المرة السابقة انطلاقا من مبدأ أني أعطيهم إذا كانوا محتاجين فرأت مرة أخرى أن أبقي المال عندي. فأنت إذاً قد أجبرت تلك المسكينة بما تهددها به من قطع المساعدة عنها على أن يبقى المال في حوزتك دائما لتستفيد من أرباحه. وكان الأولى بك أن تستجيب لطلبها منك استثمار هذا المال إذا كنت تعلم أن فيه مصلحة لهم. فإنه لا يجوز أن يُقرب مال اليتيم إلا بما فيه مصلحته، كما قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ {الإسراء: 34}. والتي هي أحسن هي الأكثر نفعا لليتيم، كما قال أهل التفسير، وذلك بكل وجه تكون فيه المنفعة لليتيم لا للمتصرف في المال. ولا يجوز لوصي اليتيم أن يتصرف في أمواله أو يقرض منها أو يقترض لمصلحته الخاصة دون أن يكون في ذلك نفع لليتيم. قال عمر رضي الله عنه: اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة. رواه مالك في الموطأ. وجاء في أحكام القرآن للجصاص عند قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : هذا يدل على أن من له ولاية على اليتيم يجوز له دفع مال اليتيم مضاربة، وأن يعمل به هو مضاربة، فيستحق ربحه إذا رأى ذلك أحسن، وأن يبضع ويستأجر من يتصرف ويتجر في ماله، وأن يشتري ماله من نفسه إذا كان ذلك خيرا لليتيم، وهو أن يكون ما يعطي اليتيم أكثر قيمة مما يأخذه منه.
وبناء على ما ذكر، فإذا كان حرصك على بقاء المال عندك هو لمجرد الاحتياط في حفظه، ورأيت أن ذلك هو الأصلح له، فلا حرج عليك في شيء مما ذكرت.
وإن كنت إنما أردت بذلك أن تستبد بربح هذا المال مقابل ما تدفعه لهم فإن عليك التوقف عن ذلك فورا ولك أن تستبرئ من ذلك وتشرك الأيتام فيما حصل من أرباح بالنسبة التي يجري العرف عندكم أن يحصل عليها رب القِراض، فهذا هو الذي نراه أحوط لك وأبرأ لذمتك عند الله ، ويمكنك أن تراجع في حكم الاشتراك في صناديق الضمان الاجتماعي فتوانا رقم: 10016.
والله أعلم.