عنوان الفتوى : تعيير المذنبين

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

بسم الله الرحمن الرحيم سمعنا أن سيدنا معاذ ـرضي الله عنه ـ روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله “. الترمذي . أرجو أن تشرح الحديث بالتفصيل ، وهل يلزم من عدم صحته جواز توبيخ أهل الذنوب والمعاصي ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

 
من شيم المؤمن أن يكون سهلاً هيناً ليناً بشوشاً لا صخاباً ولا لعاناً ، ولا طعاناً، والمتعين على من رأى أخاه في معصية أن يذكره الله ، وأن يحاول أن يجعله يقلع عن هذا الذنب لا أن يأخذ في تعييره و

التهكم عليه ؛ لأن هذا الفعل لا ثمرة له كما أن ضرره أكثر من نفعه ، إذ يجعل المعير نفسه بمنزلة من لا يقع في هذا الذنب وهذا جهل منه لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، أما عن درجة

الحديث فقد قال الشيخ الألباني فيه : إنه موضوع .وقال ابن حبان ، فقال: لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

 

 

يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية :

 
الحديث رواه الترمذي ( كتاب صفة القيامة والورع) ، ولفظه : ” من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ” .
والحديث قال عنه الشيخ الألباني في ” ضعيف الجامع ” رقم ( 5710 ) : ( موضوع ) .
والحديث الضعيف والموضوع لا يُبنى عليهما أحكام ولا يُعمل بهما .
أما معنى الحديث ، فقال الشيخ المباركفوري [صاحب كتاب شرح الترمذي ]:

 
قَوْلُهُ : ( مَنْ عَيَّرَ ) مِنْ التَّعْيِيرِ أَيْ : عَابَ ( أَخَاهُ ) أَيْ : فِي الدِّينِ ( بِذَنْبٍ ) أَيْ : قَدْ تَابَ مِنْهُ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ( لَمْ يَمُتْ ) الضَّمِيرُ لِمَنْ ( حَتَّى يَعْمَلَهُ ) أَيْ: الذَّنْبَ الَّذِي عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ , وَكَأَنَّ مَنْ

عَيَّرَ أَخَاهُ أَيْ عَابَهُ مِنْ الْعَارِ , وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَ بِهِ عَيْبٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ يُجَازَى بِسَلْبِ التَّوْفِيقِ حَتَّى يَرْتَكِبَ مَا عَيَّرَ أَخَاهُ بِهِ ،

وَذَاكَ إِذَا صَحِبَهُ إِعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ لِسَلَامَتِهِ مِمَّا عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ . ” تحفة الأحوذي”.

 

هذا ، ولا يعني ضعْف الحديث جواز التعيير لمن وقع في الذنب ، والذي يقع منه الذنب أقسام : فمنهم من يتوب ويرجع إلى ربه تعالى أو يقام عليه الحد ، فهذا لا يحل تعييره لأنه طهَّر نفسه بالتوبة أو

بالحد ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” التائب من الذنب كمن لا ذنب له ” رواه ابن ماجه ، وصححه البوصيري كما في ” الزوائد / حاشية سنن ابن ماجه ” .
وقد أحلَّ الإمام أحمد العقوبة التي في الحديث على من عيَّر من تاب من ذنبه كما نقل عنه الترمذي بعد تخريجه الحديث قال : قال أحمد : مِن ذنب قد تاب منه .
ومنهم من يعمل الذنب ولا يجهر به ، فيجب على من علم به نصحه ، والستر عليه .
ومنهم من يجهر بذنبه ، فهذا ينصح كذلك ، ويحذَّر منه حسب المقام الذي يقتضي التحذير .

 
قال ابن القيم (رحمه الله ) في مدارج السالكين :

 
ويحتمل أن يريد : أن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثماً من ذنبه ، وأشد من معصيته لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس وشكرها ، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب ، وأن أخاك باء به ، ولعل انكساره

بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه ، والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف منكسر القلب : أنفع له وخير من صولة طاعتك

وتكثرك بها والاعتداد بها والمنة على الله وخلقه بها .
فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله ، وما أقرب هذا المُدِّل من مقت الله ، فذنب تذل به لديه أحب إليه من طاعة تُدِلُّ بها عليه ، وإنك أن تبيت نائما وتصبح نادما خير من أن تبيت قائما وتصبح معجبا ؛ فإن

المعجب لا يصعد له عمل ، وإنك أن تضحك وأنت معترف خير من أن تبكي وأنت مدل ، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المُدِلِّين ، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو

فيك ، ولا تشعر فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو، ولا يطالعها إلا أهل البصائر فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر ووراء ذلك مالا يطلع عليه الكرام الكاتبون ، وقد قال النبي : ” إذا

زنت أمة أحدكم فليُقم عليها الحد ، ولا يُثرَّب ” أي : لا يعير ، كقول يوسف عليه السلام لإخوته { لا تثريب عليكم اليوم } فإن الميزان بيد الله ، والحكم لله ، فالسوط الذي ضُرب به هذا العاصي بيد مقلب

القلوب ، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب ، ولا يأمن كرَّات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله ، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به وأقربهم إليه وسيلة : { ولولا أن ثبَّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا

قليلا }.

 
وقال يوسف الصديق :{ وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين } وكانت عامة يمين رسول الله ” لا ، ومقلِّب القلوب ” ، وقال : ” ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل

إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه ” ثم قال : ” اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ” .
والله أعلم.