عنوان الفتوى : دم النفاس منوط بحالة السقط
إني قد قرأت كثيرا من الفتاوى في موقعكم عن الأحكام تتعلق بالنفاس، ولقد استفدت منه كثيراً... ولكن هل هناك دليل شرعي نقلي يفرق بين الدم الذي يعقب السقط المتخلق (أو المنفوخ فيه الروح) والسقط الذي لم يتخلق غير حديث الأربعين يوما (فليس فيه ذكر لنفاس)، فطبيبتي تصر أن دم السقط دم نفاس وإن لم يتخلق تماما وإن لم ينفخ فيه الروح، بل إن كان علقة... ومعرفة عدد الأيام بالضبط صعب وحتى لو عرفت فإن المصدر الذي يخرج منه الدم لا يتعدى (علميا) مصدر الحيض أو النفاس، فإن كنا في أول الحمل كان أغلب هذا الدم من الجدار (مصدر الحيض) وإن كنا في وسطه أو آخره كان من المشيمه ولوازم الحمل (مصدر النفاس)...، فهل العلة هي سقط ما كان له روح أو تخلق أم مصدر الدم وصفته (إما حيض وإما نفاس وإما عرق، ولماذا لا تناقش هذه المسائل (كالحيض والنفاس) مع الأطباء المختصين فقد توصل العلم إلى أشياء تزيل كثيرا من اللبس ويمكن أن يساعده الشرع في الوصول للمزيد من الأطروحات التي يمكن استقصاؤها ولا يمكن أن يتعارض عقل صحيح مع نص صريح.. والله أعلم؟ وسؤالي الثاني: هل هناك دليل شرعي نقلي يفرق بين الدم الذي يعقب السقط المتخلق (أو المنفوخ فيه الروح) والسقط الذي لم يتخلق غير حديث الأربعين يوما (فليس فيه ذكر لنفاس)، أم هل اختلاف العلماء اختلاف في تعين العلة، وهل لي كعامية ولي نظر بسيط في الأدلة أن أختار من كلام العلماء ما أراه أقرب للصحة؟ وفقكم الله وسددكم، وجزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم فيما يثبت به حكم النفاس فعند الحنابلة والحنفية يثبت بوضع المرأة ما تتبين فيه خلقة إنسان لا بأقل من ذلك ففي الإنصاف للمرداوي وهو حنبلي: يثبت حكم النفاس بوضع شيء فيه خلق الإنسان، على الصحيح من المذهب، ونص عليه، قال ابن تميم، وابن حمدان وغيرهما: ومدة تبين خلق الإنسان غالباً ثلاثة أشهر، وقد قال المصنف في هذا الكتاب في باب العدد: وأقل ما يتبين به الولد: واحد وثمانون يوماً، فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها، لم يثبت لها بذلك حكم النفاس. انتهى.
وفي المبسوط للسرخسي وهو حنفي: فأما إذا أسقطت سقطاً، فإن كان قد استبان شيء من خلقه فهي نفساء فيما ترى من الدم بعد ذلك، وإن لم يستبن شيء من خلقه فلا نفاس لها، ولكن إن أمكن جعل المرئي من الدم حيضاً يجعل حيضاً، وإن لم يمكن بأن لم يتقدمه طهر تام فهو استحاضة. انتهى.
وعند الشافعية يثبت بوضع ما تظهر فيه صورة إنسان أو لم تظهر فيه لكن أخبر النساء الثقات المتصفات بالخبرة في هذا الأمر بأنه لحم إنسان، قال النووي في المجموع: قال أصحابنا: لا يشترط في ثبوت حكم النفاس أن يكون الولد كامل الخلقة ولا حيا، بل لو وضعت ميتاً أو لحما تصور فيه صورة آدمي أو لم يتصور وقال القوابل: إنه لحم آدمي ثبت حكم النفاس هكذا صرح به المتولي وآخرون، وقال الماوردي: ضابطه أن تضع ما تنقضي به العدة وتصير به أم ولد. انتهى.
ويثبت النفاس عند المالكية بوضع دم مجتمع إذا صب عليه الماء الحار لم يذب، قال الدردير في شرحه لمختصر خليل: (وإن) كان الحمل (دما اجتمع) وعلامة كونه حملا أنه إذا صب عليه الماء الحار لم يذب. انتهى.
وعليه فالحكم عند الفقهاء هنا منوط بحالة السقط نفسه وليس بمصدر خروج الدم حسبما اطلعنا عليه، ولكن إذا ثبت علمياً ما ذكر في السؤال فلا يستبعد أن يستأنس به ويذكر عند الترجيح بين الأقوال، ولم نقف على دليل نقلي يفرق بين الدم الخارج بعد السقط المتخلق وغير المتخلق مع أنه ليس من الضروري وجود دليل نقلي في كل جزئية من مسائل الفقه، فالأدلة النقلية محصورة ومحدودة والمسائل الفقهية متجددة دائماً، والترجيح بين كلام أهل العلم لا يحق إلا لمن له نظر قوي في الأدلة الشرعية وآلاتها وهذه المرحلة تسمى درجة التبصر.
أما العامي فعليه أن يسأل أهل العلم، وينبغي أن يختار الأكثر علماً وورعاً وتقوى، ولا يلزمه التقيد بمذهب معين. وراجعي الفتوى رقم: 62828، والفتوى رقم: 67130.
والله أعلم.