عنوان الفتوى : تكرار الزواج والطلاق دون مبرر شرعي لايجوز

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يباح طلاق الزوج لزوجته دون سبب شرعي ؟فهل يجوز للرجل أن يتزوج المرأة ثم بعد سنة مثلاً يطلقها لأنه يحب التجديد والترويح عن نفسه ؛ فمرة يتزوج بدينة ومرة نحيفة وهكذا يتزوج ويطلق حسب رغباته وشهواته ؟أم أن للزواج في الإسلام مقاصد أعظم وأهداف أسمى ، ثم أليس هذا ظلما للمرأة وغشًا لها وتلاعبًا ببنات المسلمين فمن يرضى لبنته أو أخته بذلك؟!!وهل الاحتجاج بالحسن بن علي رضي الله عنهما بأنه كما يقال: مزواج مطلاق دليل على إباحة فعل ذلك ؟أرجو الإجابة ببيان أدلة تلك الأحكام لئلا يتدخل الشيطان وكي يعرف المسلم أمر دينه وجزاكم الله خيرًا .

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:‏

فإن الزواج له مقاصد عظيمة شرع من أجلها، منها تحصين كل من الزوجين الآخر، والتمتع ‏المشروع، وتكثير النسل، وتنشئته تنشئة صالحة، والقيام بمصالح الضعفة من النساء والأطفال، ‏وغيرها من المصالح والمقاصد في المعاش والمعاد.‏
ولذا كان عقد الزواج من أغلظ المواثيق لأنه عقد متعلق بذات الإنسان ونسبه، ويكفي في ‏الدلالة على ذلك تكريم هذا العقد أن الله سبحانه وتعالى وصفه بالميثاق الغليظ، ولم يرد هذا ‏إلا في عقد الزواج. قال تعالى: (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) [النساء:29] وفيما أخذه الله على بني إسرائيل من الإيمان به واتباع رسله قال سبحانه: (وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً)[النسا:154] وفيما أخذه الله على ‏أنبيائه من مواثيق قال الله تعالى (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم ‏وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ) [الأحزاب :7] فعقد الزواج الأصل فيه ‏أن يعقد للدوام والتأبيد، ليتسنى للزوجين تحقيق مقاصده، وينعمان في ظلاله، ولذا ندب الله ‏سبحانه وتعالى الأزواج إلى إمساك زوجاتهم وإن كرهوهن، فقال سبحانه وتعالى (‏وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) ‏‏[النساء: 19] قال ابن العربي في الآية : المعنى إن وجد الرجل في زوجته كراهية، وعنها رغبةً، ‏ومنها نفرةً من غير فاحشة ولا نشوز فليصبر على أذاها، وقلة إنصافها، فربما كان ذلك خيراً ‏له. انتهى .‏
وقال ابن الجوزي في الآية: وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها، ونبهت على ‏معنيين، أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح فرب مكروه عاد محموداً ومحمودٍ عاد ‏مذموماً.
والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوباً ليس فيه مكروه، فليصبر على ما يكره لما يحب ‏‏. انتهى.
فالأولى بالمسلم أن لا يكون ذواقاً مطلاقاً، وأن يصبر على زوجته، وإن رأى ما يكرهه منها ‏فإن الخير ربما كان في الصبر على ذلك، وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى ‏الله عليه، وسلم قال :" لا يَفْرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" انتهى، ‏والفرك هو البغض . فما بالك إذا كان الطلاق لغير نفرة من المرأة، أو بغض لها، فإن الكراهة ‏تتأكد ، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أم سعيد وهي سُرِّية كانت لعلي رضي الله عنه قالت : ‏قال علي : يا أم سعيد قد اشتقت أن أكون عروساً قالت: وعنده يؤمئذٍ أربع نسوة فقلت: طلق ‏إحداهن واستبدل، فقال:الطلاق قبيح أكرهه‏.
وقد ذهب عامة أهل العلم إلى كراهة الطلاق من غير حاجة، بل ورد عن الإمام أحمد رواية أنه ‏يحرم لأنه ضرر بنفسه وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حراماً ‏كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار". وقال ابن تيمية : والطلاق في الأصل مما يبغضه الله، وهو أبغض الحلال إلى الله، وإنما أباح منه ما يحتاج إليه ‏الناس كما تباح المحرمات للحاجة.انتهى. ‏ ‏ فعلى الزوج أن يحرص على بقاء عقد الزوجية عند عدم وجود المفسدة المحضة، والضرر المجرد ‏من بقائه، وعليه أن يتقي الله في زوجته، ويعاشرها بالمعروف، فإن ذلك خير له . وعلى أولياء ‏النساء أن يتقي كل منهم الله في موليته في اختيار الزوج الصالح لها المعروف بدينه وخلقه، وأن ‏يتجنب تزويجها ممن عرف عنه الطلاق تذوقاً وتشهياً، وعلى الزوجة أن تتودد إلى زوجها، ‏وتتقرب إليه بكل زينة ومتعة تحببها إلى زوجها مما يجعله حريصاً عليها، ومتعلقاً بها فربماً أراد ‏طلاقها فبحسن عشرتها وتوددها له قد تصرفه عما أراد.‏
وأما ما روي في شأن الحسن بن علي رضي الله عنهما فقد روى ابن أبي شيبة أن علي بن أبي طالب قال:( يا أهل ‏العراق، أو يا أهل الكوفة لا تزوجوا حسناً فإنه رجل مطلاق ).‏
وروى أيضا أن عليًا قال : ( مازال الحسن يتزوج ويطلق حتى حسبت أن يكون عداوة في ‏القبائل ) ويكفي في هذا أن أباه لم يرض عن فعله، بل إننا لا نعلم الباعث للحسن على ذلك، وفعله ليس بحجة، ‏بل ما ندب الله رسوله إليه من إمساك النساء حتى مع كرههن، هو الأصل الذي ينبغي للمسلم التمسك به. والله أعلم. ‏