عنوان الفتوى : هل تكرار الذنب وتكرار التوبة من الإصرار على المعصية
شاب تاب وندم على ما فعل واستقام على الطريق المستقيم... ولكن تبقى رواسب لجاهليته ويذنب ذنبا ما لا يستطيع أن يفارقه، ولكنه حينا بعد حين يلوم نفسه ويتوب من هذا الذنب، ولكنه سرعان ما يرجع.. فهل في ذلك إصرار على الذنب... مع العلم بأنه يتوب ويتألم من هذا الذنب، ولكنه سريعا ما يعود أو يبقى فترة من الزمن تائبا من هذا الذنب، ولكنه يرجع إليه... فهل هذا إصرار أم لا... وماذا يفعل هذا الشاب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعلى هذا الشاب أن يأخذ نفسه بالشدة ويفطمها عن هذا الذنب الذي يعاوده الفينة بعد الفينة، فيتوب منه توبة نصوحاً يعزم فيها على عدم العودة أبداً، وذلك لأنه لا يعلم متى تأتيه منيته، وليحذر أن يدركه الموت وهو قائم على معصية الله، فيختم له بخاتمة السوء والعياذ بالله، وانظر شروط التوبة النصوح في الفتوى رقم: 9694، والفتوى رقم: 5450.
فإذا تاب توبة نصوحاً ثم زيَّن له الشيطان المعصية فزلت قدمه وقارفها، فليسارع إلى تجديد التوبة مرة أخرى، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ {الأعراف:201}، قال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر أنهم إذا مسهم: أي أصابهم طائف... ومنهم من فسره بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب. وقوله: تذكروا: أي: عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده -فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب، فإذا هم مبصرون: أي: قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه. انتهى. باختصار.
وكون هذا الشخص يقع في الذنب ثم يتوب ثم يقع في الذنب ثم يتوب ليس معناه أنه مصر عليه، بل قد يكون ذلك دليلاً على حبه لله ورغبته في التوبة، وكراهته للذنب والمعصية لأنه يكره المداومة على فعلها، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن عبداً أصاب ذنبا وربما قال أذنب ذنباً فقال: رب أذنبت وربما قال: أصبت فاغفر لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا أو أذنب ذنبا، فقال رب: أذنبت أو أصبت آخر فاغفره، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا وربما قال: أصبت ذنبا، قال: قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي، فقال :علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء. قال النووي: وفي الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. وقوله في الحديث: اعمل ما شئت. معناه: ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك.
ولكن ليس في هذا الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولكن فيه الحث على التوبة لمن وقع في الذنب، وأنه لا يستمر على فعله، وقد قال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى؟ قال: إلى أن تحزن الشيطان.
فكثرة التوبة من الأمور المحمودة عند الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. رواه الترمذي وابن ماجه.
وينبغي للتائب أن يتخذ تدابير تعينه على الاستقامة والاستمرار على التوبة وعدم النكوص وتنكب الطريق، ومن هذه التدابير:
1- دعاء الله بذل وإلحاح أن يرزقه الاستقامة وأن يعينه على التمسك بدينه، وخير ما يُدعى به ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عيله وسلم: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي.
2- اجتناب أماكن المعصية وأصدقاء السوء الذين يزينون المعاصي له ويرغبونه فيها، وفي المقابل اتخاذ رفقة صالحة من الشباب المستقيم المتمسك بالدين، فإن صحبتهم من أعظم أسباب الاستقامة والثبات على التوبة بعد الله تعالى، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وقد قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {الكهف:28}، فعلى ذلك التائب أن يفتش عن هؤلاء الشباب، فيعبد الله معهم ويتعاون معهم على فعل الخيرات وطلب العلم النافع، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10800، 1208، 16610، 12744، 21743.
والله أعلم.