عنوان الفتوى : حكم العشائر إذا لم يكن مبنيا على الشرع فهو من حكم الجاهلية
لي أخ مديون بمبالغ تصل إلى 70 ألف دينار وتم رهن أرض للتاجر وتم رهن أرض للبنك وقام هذا التاجر بتقديم دعوى للمحكمة ومن ثم تدخلت العشائر وحكمت بالتالي: 1- أن يقوم الأخ المديون ببيع بيته. 2-أن يقوم كل أخ من الإخوة الأربعة بتقديم المساعدة. 3-أريد أن أشتري قطعة أرض أخي التي بجوار بيتي ولكن لا أملك نقودا فهل يجوز أخذ قرض من البنك لشراء هذه الأرض على ان يتم تسديد قيمة الأرض لأخي مباشرة لإنهاء الخلاف مع التاجر. وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا السؤال تضمن عدة أمور وجوابها على النحو التالي: الأمر الأول يتعقل برهن أخيك قطعة أرض لهذا التاجر توثيقا لدينه الذي له عليه، وهذا لا حرج فيه، فالرهن مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. الأمر الثاني: ما يتعلق برهن أخيك قطعة أرض للبنك، فإذا كان هذا الرهن توثيقا لدين ربوي، فليعلم أنه لا يجوز للمرء أن يلجأ إلى الاقتراض بالربا لسداد دين ولا لغيره إلا إذا اضطر إلى ذلك، وقد بينا حد الضرورة المبيحة للاقتراض بالربا في الفتوى رقم: 6501، والفتوى رقم: 48727، وراجع الفتوى رقم: 57562. الأمر الثالث: ما يتعلق بحكم العشائر: أن يقوم الأخ المديون ببيع بيته، وأن يقوم كل أخ من الإخوة الأربعة بتقديم المساعدة. فننبه بداية إلى أن حكم العشائر يجب أن يكون مبنيا على الكتاب والسنة، وإلا كان من حكم الجاهلية الذي قال الله فيه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ {المائدة:50}. وكان الحاكم به إما كافرا وإما ظالما وإما فاسقا، كما قال تعالى في آيات سورة المائدة: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {المائدة: 44}. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {المائدة: 45}. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {المائدة: 47}. وراجع للتفصيل الفتوى رقم: 35130. وإذا تقرر هذا فبالنسبة إلى الحكم الأول الذي حكمت به هذه العشائر، فلا يلزم الأخ المديون أن يبيع بيته لوفاء هذا الدين إذا كانت قطعة الأرض التي رهنها للتاجر الدائن إذا بيعت تفي بسداد دينه أو كان يملك غير هذا البيت من العقارات أو غيرها، ما يمكنه بيعه ووفاء الدين، كما لا يلزمه أيضا بيع هذا البيت إذا لم يجد سكنا غيره مناسبا، ولو بالإيجار، قال صاحب الروضة الندية: يجوز لأهل الدين أن يأخذوا جميع ما يجدونه معه أي مع المفلس إلا ما كان لا يستغنى عنه وهو المنزل وستر العورة وما يقيه البرد ويسد رمقه ومن يعول لحديث أبي سعيد عند مسلم وغيره قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال: تصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك. .. فأفاد ما ذكرناه أن أهل الدين يأخذون جميع ما يجدونه مع المفلس لكنه لم يثبت أنهم أخذوا ثيابه التي عليه أو أخرجوه من منزله أو تركوه هو ومن يعول لا يجدون ما لا بد لهم منه، ولهذا ذكرنا أنه يستثنى له ذلك. أما الحكم الثاني: فلا يلزم إخوته أن ينفقوا عليه إلا إذا كان فقيرا محتاجا ولم يستغن بكسب أو نفقة أب أو ولد، كما لا يلزمهم أن يتحملوا شيئا من دينه، لأن الدين لا يطالب به غير المدين، لكن إن تبرع أحد منهم بذلك، فله أجر عظيم على ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم: من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة. متفق عليه . الأمر الرابع: ما يتعلق بشراء قطعة أرض أخيك عن طريق قرض من البنك، فإن كان هذا القرض قرضا حسنا بدون فوائد ـ مع استبعادنا لذلك ـ فلا حرج في ذلك، ولا مانع حينئذ من شراء هذه الأرض من أخيك مباشرة وسداد قيمتها إليه، ما لم يكن قد صدر من المحكمة حكم بالحجر عليه، وإلا فإن شراء هذه الأرض وسداد قيمتها يكون عن طريق المحكمة. وأما إذا كان القرض ربويا، فلا يجوز ذلك، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ {البقرة:278ـ279}. وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء. رواه مسلم.
والله أعلم.