عنوان الفتوى : السن التي يتنهي إليها أمد الحضانة
أطلب من الأئمّة الكرام إصدار الحكم الشرعي بخصوص حضانة ابني جعفر رضا كاتبي البالغ من العمر 7 سنوات. إن فهمي لقانون الشّريعة الإسلاميّة هو أنّ ابني ينبغي أن يعيش معي. في عام 1997 ميلادي، أنا وأم جعفر واسمها جومانة جعفر ضناوي من مواليد طرابلس لبنان تُزُوِّجَتَا طبقًا لقانون الشّريعة الإسلاميّة فقط هنا في ملبورن. في عام 1998 ميلادي رزقنا بولدنا جعفر. في عام 1999 ميلادي طلبت أم جعفر الطلاق عن طريق أخيها محمد جعفر ضناوي الملقب بأبي مصطفى بحضور الشيخ فهمي الإمام طبقًا للشّريعة الإسلاميّة. في عام 2004 ميلادي تُزَوَّجت أم جعفر برجل اسمه وليد الحلوي طبقًا لقانون الشّريعة الإسلاميّة والقانون الأستراليّ. أطلب من الأئمّة الكرام إصدار الحكم الشرعي باللغة العربيّة والإنجليزيّة بأسرع ما يمكن لتقديمه لأم جعفر وزوجها وأخيها محمد وجمال ويحيى ضناوي فورًا . أنا أيضًا سأسجّل الحكم الشرعي في المحكمة الشرعية في طرابلس لبنان والمحكمة العائلية الأستراليّة في ملبورن . جزاكم الله خيرا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيرا على هذه الدقة في السؤال، وهذا التوضيح، ويا ليت كل السائلين مثلك في ذلك، فقد قال أهل العلم: حسن السؤال نصف الجواب
وأما مسألة الغلام، فالصحيح من كلام أهل العلم أنه بلغ السن التي يتنهي إليها أمد الحضانة كما بيناه في الفتوى رقم: 6256 وحينئذ يخير بين أبويه كما قضى بذلك عمر وعلي وشريح. قال ابن قدامة: وهو إجماع الصحابة. ودليله ما رواه أصحاب السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة جاءت فقالت: يا رسول الله؛ إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استهما عليه، فقال زوجها: من يحاقني في ولدي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أبوك وهذه أمك وخذ بيد أيهما شئت، فأخذ بيد أمه فانطلقت به. قال الترمذي: حديث صحيح.
وفي المغني لابن قدامة قال: وروي عن عمر أنه خير غلاما بين أبيه وأمه، كما روي عن عمارة الجرمي أنه قال: خيرني علي بين عمي وأمي وكنت ابن سبع سنين أو ثمان. قال ابن قدامة: وهذه مظنة الشهرة ولم تنكر فكانت إجماعا. وكل تلك الآثار أخرجها عبد الرزاق في مصنفه.
قال ابن القيم: كما احتج لهذا القول بأن التخيير يستدعي التمييز والفهم ولا ضابط له في الأطفال، فضبط بمظنته وهي السبع فإنه أول سن التمييز، ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم حدا للوقت الذي يؤمر فيه الصبي بالصلاة، ثم ذكر قول أبي بكر وعمر وأبي هريرة، وقضاءهم بذلك، وذكر عن حرب بن إسماعيل قال: سألت إسحاق بن راهويه إلى متى يكون الصبي مع أمه إذا طلقت؟ قال: أحب إلي أن يبقى مع أمه إلى سبع سنين ثم يخير . قلت له: أترى التخيير؟ قال: شديدا. قلت: فأقل من سبع سنين لا يخير؟ قال: قد قال بعضهم إلى خمس، وأنا أحب إلي سبع
ولأحمد ثلاث روايات أصحها وأشهرها وهي اختيار أصحابه أن يخير بينهما، فإن لم يختر أقرع بينهما، وكذلك الشافعي كما في الأم قال: وهي أحق به ذكرا كان أو أنثى إلى أن يبلغا سبع سنين، فإذا بلغا سبعا وهما يعقلان عقل مثلهما خير كل منهما بين أبيه وأمه وكان مع من اختار.
وأما أبو حنيفة فقد قال: لا تخيير وإنما يكونان عند الأم ما لم تتزوج إلى بلوغ الجارية واستقلال الغلام بأكله وشربه ولبسه، ثم يكونان عند الأب. وهو الرأي عند مالك رحمه الله. فقد قال: لا تخيير وأم الغلام أحق به ما لم تنكح أجنبيا عنه حتى يبلغ، وهي رواية ابن القاسم. وروى ابن وهب عنه إلى أن يثغر، وإليهما أشار ابن عاصم بقوله:
وهي الإثغار في الذكور والاحتلام الحد في المشهور.
وحجة هؤلاء أن الغلام لا قول له ولا يعرف حظه، وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه ويمكنه من شهواته فيؤدي إلى فساده. قال في مواهب الجليل: وهو تعليل واقع ولكنه لا ينهض أمام ما ورد من السنة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: قد ثبت التخيير عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغلام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وثبت عن الخلفاء الراشدين ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة البتة ولا أنكره منكر وهو غاية في العدل الممكن، فإن الأم إنما قدمت في حال الصغر لحاجة الولد إلى التربية والحمل والرضاع والمداراة التي لا تتهيأ لغير النساء، وإلا فالأم أحد الأبوين فكيف تقدم عليه؟ فإذا بلغ الغلام حدا يعرب فيه عن نفسه ويستغني عن الحمل والوضع وما تعانيه النساء تساوى الأبوان وزال السبب الموجب لتقديم الأم، والأبوان متساويان فيه فلا يقدم أحدهما إلا بمرجح، والمرجح إما من خارج وهو القرعة، وإما من جهة الولد وهو اختياره، وقد جاءت السنة بهذا وهذا، وقد جمعهما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فاعتبرناهما جميعا ولم ندفع أحدهما بالآخر، وقدمنا ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأخرنا ما أخره، فقدم التخيير لأن القرعة إنما يصار إليها إذا تساوت الحقوق من كل وجه ولم يبق مرجح سواها.. وهذا لو لم يكن فيه موافقة للسنة لكان من أحسن الأحكام وأعدلها وأقطعها للنزاع. ذكره في زاد المعاد.
ورأي التخيير هو ما نراه راجحا لما ذكر من الأدلة، ومما يرجح حق الأب هنا كون الأم متزوجة بأجنبي عن الطفل وذلك يسقط حقها في الحضانة قبل سن التخيير بالإجماع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي. رواه أبو داود والبيهقي. ولاشتغالها بأمر زوجها، وهذا كله مما يرجح جانب الأب وحقه في انتقال الابن إليه ورعايته له بعد ما بلغ سن التخيير، والذي يفصل النزاع ويحسم الخلاف هو أمر المحكمة الشرعية فينبغي رفع ذلك إليها ما لم يحصل التراضي، لتحكم بما تراه وتتبين من كل خصم ودعواه.
والله أعلم.