عنوان الفتوى : سبيل التخلص من كره النفس والتسخط على رب العالمين
أرجو التكرم من فضيلتكم بالإجابة على سؤالي الذي أقلقني كثيراً، وهو: أعاني منذ فترة من كره شديد لنفسي حيث إنني أم لطفلين وحامل في الشهر التاسع وقد تعبت ويعلم الله من هذه الحياة وأتعبني الحمل كثيراً وأنا تعبانه من زوجي كذلك لأنه أغلب الأحيان بارد وأنا أحب الخروج من البيت معه وخصوصاً الحدائق أو على الأقل أي مكان المهم نغير الجو قليلاً، ولكنه يرفض بحجة أنه تعبان، علما بأنه إذا اتصلت به إحدى أخواته وطلبت منه أن يوصلها فعلى الفور يوافق وعندما أغضب منه وأقول له أنا أولى منها فيقول أنا لا أوصلها إلا من أجل أبوي حتى لا تغضب، وأبوه كبير في السن يعني تقريباً 60 سنة، وما شاء الله يستطيع أن يذهب ويجيء على الأقل ما يتعب مثل زوجي، ولكن زوجي يبدو أنه يخاف من أخواته أو خايف لا يخسرهم، والله أنا في هم دائماً منه ومن أولادي الله يحفظهم... وأيضا أعاني من العصبية فمثلاً عندما يطيح أولادي أتألم أنا على طول أقول (علشان مسلمين فلازم نتعذب مضبوط)، وأحيانا أتعصب على رب العالمين وكأنني في غنى عنه صدقوني أنا عقلي صاير متلخبط فأنا ما كنت كهذا أبدا بالعكس كنت قوية الإيمان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر والآن أنا تغيرت وأخاف أن أموت وأنا في هذه الحالة ما أدري ماذا أفعل، صدقوني لا أعرف ماذا حصل لي فلا محافظة على الصلوات فقط أهم شيء أصلي ولا أفكر في الخشوع ربما لتعبي الدائم، عندما أرى أو أسمع من بعض المشايخ عن سعة رحمة الله أبكي على حالي والله العظيم وبعد فترة وجيزة ترجع الحالة مرة ثانية هل هذا طبيعي أم أنني ممن قلب الله قلوبهم وصرفهم عن جادة الصواب أحس أنني من أهل النار لا فائدة مني، أرجو من فضيلتكم الإجابة على سؤالي، وكيف الخلاص من هذه الدوامة وخصوصاً حتى اسم الله لا أنظر إليه أو بالأصح أصرف بصري عنه لا أدري لماذا أحسه عدوي استغفر الله العظيم، أنا حقيقة صرت كالمجنونة، أرجوكم ساعدوني, وهل ستذهب هذه الحالة أم ماذا؟ ولكم مني الشكر، وسامحوني على صراحتي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية يجب أن يعلم أن رحمة الله واسعة ودليل هذا وعده سبحانه للعصاة بالعفو والمغفرة من ذنوبهم إذا هم تابوا مهما بلغت ذنوبهم كثرة، قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة، فقال: لا فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة، فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة.... الحديث.
فعلى المسلم أن يغتنم هذا الكرم من ربه جل وعلا ويبادر إلى التوبة فيسعد في دنياه بالطمأنينة وتيسير الأمور، وفي آخرته بالفوز بالجنة، أما من أصر على اقتراف المعاصي فإنه على خطر عظيم لما للمعاصي من شؤم على صاحبها في تكدير حياته وإصابته بالمصائب والبلايا النفسية والجسدية هذا فضلاً عن العقوبة في الآخرة ومصداق هذا قول الحق سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}، وقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30}.
ومن هنا نقول لهذه السائلة أنه ربما كان سبب ما أنت فيه عدم المحافظة على الصلاة وقد ينضاف إلى ذلك عامل الحمل فقد دل القرآن على أن الحامل تلقى جهداً شديداً خلال فترته، فقال سبحانه: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ {لقمان:14}، وقال تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا {الأحقاف:15}.
والسبيل لعلاج هذه الأمور هو مجاهدة النفس بالمحافظة على الصلاة والتقرب إلى الله سبحانه بالأعمال الصالحة وترك المعاصي ثم الصبر على مشقة الحمل وتربية الأولاد، واعلمي أن ربك سبحانه منحك نعمة حرمها كثيرات فكم من امرأة متزوجة حرمت نعمة الحمل والولد فاحمدي ربك واشكريه ولا تقابلي نعمه بالتسخط، هذا وندعو زوجك إلى أن يكون عونا لك على التخلص من هذا القلق بمداومة النصح والإرشاد والاستجابة إلى ما تطلبين منه في حدود الشرع والعرف بما في ذلك الخروج إلى الحدائق والمتنزهات العامة التي لا يوجد فيها اختلاط.
ولتحذري من التسخط على أقدار الله تعالى، فما أشرت إليه من ألفاظ توحي بذلك يجب عليك الكف عنها والتوبة والاستغفار مما سبق منها والرضى بقضاء الله تعالى وقدره، فذلك السبيل للطمأنينة وانشراح الصدر والسعادة في الدنيا والآخرة، واجعلي دائماً نصب عينيك فقرك التام إلى الله تعالى وغناه المطلق عنك وجميع مخلوقاته، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ {فاطر:15}، فهو غني عنا وعن أمثالنا، فعباده سوانا كثير، ولكن لا رب لنا سواه.
نحن الذين نحتاجه، نحن الذين يجب علينا أن نحذر سخطه ونرجو رحمته ونخشى عذابه، تذكري دائماً افتقارك إليه واحتياجك الشديد له، وتذكري عظمته وجبروته، ثم تذكري حلمه مع قدرته علينا، فلو شاء (والله) لخسف بنا، فالأرض جميعاً قبضته، وجميع المخلوقات جنوده، والملك ملكه، والعبد عبده!! أفيقي مما أنت فيه، ففري منه إليه!!
ليس الله عدوك، إنما عدوك الشيطان ونفسك التي بين جنبيك، توبي إلى الله وارجعي إليه، فوالله لهو أشد فرحاً برجوعك من امرأة فقدت رضيعاً لها ثم وجدته.
يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل!!
وسعت رحمته كل شيء، لكن هل تعرضت لها؟! هل نستحق أن يرحمنا وأن ينظر لنا؟
أكثري من الاستغفار في اليوم والليلة، وأدمني النظر في القرآن واستمعي لتلاوته، وأقبلي على الله في صلاتك ولا تتركيها أبداً، فإن من تركها متهاوناً بها ومتكاسلاً عنها فقد حكم كثير من أهل العلم بكفره، ويكفي ذلك رادعاً وقومي لله في الأسحار، وأنسي به، ومدي يديك سائلة متضرعة ملحة ذليلة، فسيقبلك، فقد وعدنا ذلك!!
وفتشي عن الفتيات المؤمنات، واصحبيهن واقبلي نصحهن، فالدنيا ساعة، ثم نلقى الله، عسى الله أن يشرح صدرك وينور قلبك ويلهمك رشدك.
والله أعلم.