عنوان الفتوى : معنى القرآن قطعي الثبوت قطعي الدلالة
القرآن قطعي الثبوت قطعي الدلالة ما معنى ذلك ؟وبالتالي إن آيات الأحكام تكون قطعية الثبوت والدلالة هل للمفتي مثلا أن يحدث تغييرا في حكم من الأحكام نظرا لتجدد الواقع وتغييره اعتبارا بفعل عمر رضي الله عنه عندما منع المال عن المؤلفة قلوبهم ورفع حد السرقة عام الرمادة .حقيقة هذا جزء من حوار مع أخ ألماني مسلم يدرس في العلوم الشرعية وترك لي هذه الأسئلة التي أردت أن أجيبه عليها من حضراتكم مع مراعاتكم للطرح العقلي واستيعاب الواقع الأوربي إذ لا وجود لعادات وأعراف وتقاليد لها بالدين الإسلامي علاقة كما في عالمنا العربي ومراعاة أن الأحكام الشرعية بعضها يحتاج لسلطة قاض وهنا للأسف غير موجود إذ غير معترف بالدين الإسلامي ونحن أبناء الإسلام نقول إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان بل نؤمن بهذا وندعو له فلابد إذن من فقه إسلامي صميم ينطلق برؤية واقعية للمتغيرات على الساحة الأوربية وتكون من علماء على معرفة بالواقع ترفع الحرج عن الناس وتحفظ لهم دينهم عذرا للإطالة ولكم مني ألف تحية وسلام.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالقرآن قطعي الثبوت، ولكنه ليس كله قطعي الدلالة.
ومعنى كونه قطعي الثبوت أن آياته رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر، ورواها التابعون عن الصحابة بالتواتر، وعن أولئك رواها تابعو التابعين بالتواتر إلى أن وصلتنا متواترة، ومعنى التواتر: أن يرويها في كل طبقة عدد من الناس يستحيل تواطؤه على الكذب، وهذا مفيد لليقين، أي أن القرآن مقطوع بصحة سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعنى قطعي الدلالة أن دلالة ألفاظه لا تحتمل أكثر من تفسير واحد.
والقرآن فيه أماكن قطعية الدلالة، وأخرى ليست كذلك، فقول الله تعالى: [لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ](النساء: 11) وقوله: [حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ..] (النساء: 23) وقوله: [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ](الفتح: 29) وقوله: [وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً](النحل: 78) وقوله: [وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ](المطففين:3)، كلها نصوص لا تحتمل أكثر من تفسير واحد فهي إذا قطعية الدلالة.
وأما قوله تعالى: [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ](البقرة: 228) وقوله: [فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً](النساء: 43) ونحوهما من الآيات التي تحتمل أكثر من معنى، فإنها ليست قطعية الدلالة، ولذا فسر بعض العلماء القرء بأنه الطهر، وآخرون بأنه الحيض. وفسروا الصعيد الطيب بأنه الطاهر، وفسره آخرون بأنه المنبت، وأمثلة ذلك أكثر من أن تحصى.
وعن سؤالك عما إذا كان للمفتي أن يغير حكما من الأحكام الشرعية؛ كما فعل عمر في مسألة منع الزكاة عن المؤلفة قلوبهم وترك القطع في السرقة في عام الرمادة، فنقول فيه إن الأحكام على نوعين: نوع ثابت لا يتغير بالزمان ولا بالمكان نحو العبادات التي أوجبها الله، والمحرمات، وما حده الشرع من حدود ونحو ذلك. والنوع الثاني: هو ما كان وجه العلة والمصلحة فيه باديا، فلا مانع من تغيره تبعا لتغير علته، أو مراعاة للمصلحة فيه.
قال ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان: الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حال واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب تحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
النوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة.
ولم يزل العلماء رحمهم الله ـ يراعون في فتاواهم الظروف الزمانية والمكانية للسائلين فيما يمكن فيه اعتبار الزمان والمكان، وراجع في هذا الفتوى رقم: 25069.
واعلم أن منع عمر رضي الله عنه المؤلفة قلوبهم من الزكاة وترك القطع عام الرمادة، ليس تعطيلا لأحكام الله ـ حاشاه من ذلك ـ ولكن عمل بالفقه في المسألتين، فالمؤلفة قلوبهم صنف من الأصناف المستحقة للزكاة، ولا يلزم أن تعمم الزكاة على سائر الأصناف، وترك القطع عام الرمادة هو لأن المرء إذا اضطره الجوع إلى أخذ مال الغير جاز له، وليس عليه فيه قطع، بل القطع إنما يكون بشروط من بينها أن لا يكون الآخذ مضطرا إلى ما أخذه.
والله أعلم.