عنوان الفتوى : هل يجوز له الزواج دون علم أهله، وما حكم إسرار نية الطلاق في نفسه قبل الزواج؟
أنا شاب أعاني من شدة الشهوة، وأخشي الوقوع في الحرام ظروفي المادية لا تسمح لي بالزواج خاصة مع إرتفاع أسعار المنازل و بقية متطلبات الزواج في بلدي الذي كثرت فيه الفتن. في حينا توجد أرملة فاتحتها في موضوع الزواج منها بدون علم أهلي وأن أقابلها في منزلها هذه المرأة لها أخ و بنت، أخوها موافق و لكن لن نقوم بإعلام إبنتها المقيمة بالخارج . هذا كان الإتفاق بيننا لكن مالم أعلمهم به هو أني أنوي الطلاق منها حين أتمكن من توفير مسكن و شغل قار و الزواج من بكر، فهل هذا الزواج صحيح؟
الحمد لله.
أولا:
الرجل البالغ العاقل لا ولاية لأحد عليه في النكاح، فيجوز أن يتزوج بدون إذن أهله، وبدون رضاهم.
لكن هذا لا ننصح به، لأن أهله إذا علموا بالأمر بعد ذلك ستحدث منازعات داخل الأسرة، قد تنتهي بالقطيعة والعقوق ، وتفكك الأسرة ، كما هو الواقع المشاهد غالبا.
ثانيا :
لا يجوز للرجل أن يتزوج وفي نيته الطلاق بعد مدة معينة، أو متى حدث له أمر ينتظره.
لأن هذا أقل ما يقال فيه: إنه غش وخداع للمرأة، ولو صارحها بذلك قبل الزواج فلن تقبل به زوجا.
ثم لو صارحها، وقبلت بذلك الزواج "المؤقت": فإنه أشد منعا، لأن ذلك من زواج المتعة المحرمة، إن اشترطا فيه المدة، أو تراضيا عليها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" النكاح بنية الطلاق لا يخلو من حالين : إما أن يشترط في العقد بأنه يتزوجها لمدة شهر أو سنة أو حتى تنتهي دراسته: فهذا نكاح متعة، وهو حرام.
وإما أن ينوي ذلك بدون أن يشترطه ، فالمشهور من مذهب الحنابلة أنه حرام، وأن العقد فاسد ، لأنهم يقولون : إن المنوي كالمشروط ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام : (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)...
والقول الثاني لأهل العلم في هذه المسألة: أنه يصح أن يتزوج المرأة وفي نيته أن يطلقها إذا فارق البلد، كهؤلاء الغرباء الذين يذهبون إلى الدراسة ونحو ذلك ، قالوا : لأن هذا [يعني: الزوج] لم يَشترط ، والفرق بينه وبين المتعة: أن المتعة إذا تم الأجل، حصل الفراق؛ شاء الزوج أم أبى ، بخلاف هذا فإنه يمكن أن يرغب في الزوجة وتبقى عنده . وهذا أحد القولين لشيخ الإسلام ابن تيمية .
وعندي أن هذا صحيح ليس بمتعة؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف المتعة.
لكنه محرم، من جهة أنه غش للزوجة وأهلها ، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الغش والخداع ، فإن الزوجة لو علمت بأن هذا الرجل لا يريد أن يتزوجها إلا لهذه المدة، ما تزوجته وكذلك أهلها . كما أنه هو لا يرضى أن يتزوج ابنته شخص في نيته أن يطلقها إذا انتهت حاجته منها ، فكيف يرضى لنفسه أن يعامل غيره بمثل ما لا يرضاه لنفسه . هذا خلاف الإيمان لقول النبي عليه الصلاة والسلام : (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) " انتهى من "فتاوى المرأة المسلمة" (2/757، 758).
وجاء في "قرار المجمع الفقهي" :
"الزواج بنية الطلاق وهو : زواج توافرت فيه أركان النكاح وشروطه وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة كعشرة أيام، أو مجهولة ؛ كتعليق الزواج على إتمام دراسته أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله.
وهذا النوع من النكاح على الرغم من أن جماعة من العلماء أجازوه، إلا أن المجمع يرى منعه ؛ لاشتماله على الغش والتدليس. إذ لو علمت المرأة أو وليها بذلك لم يقبلا هذا العقد.
ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة تسيء إلى سمعة المسلمين.
والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه" انتهى .
بل بعض العلماء يراه كنكاح المتعة ، وهو النكاح المؤقت بمدة محدودة ، ثم تحصل المفارقة بين الزوجين بانتهاء المدة ، فيكون أشد تحريما .
قال أبو داود: وسمعتُ أحمد سُئِلَ عن رجلٍ تزوج امرأة على أن يحملها إلى خراسان؛ ومن رأيه إذا حملها إلى خراسان أن يخلي سبيلها، هي هاهنا ضائعة؟
قال: "لا، هذا شبيه بالمتعة، لا، حتى يتزوجها على أنها امرأته ما حييت". انتهى من "مسائل أبي داود" (ص230)
وممن ذهب إلى هذا الرأي ، علماء اللجنة الدائمة للإفتاء . وتنظر فتواهم في جواب السؤال رقم: (111841).
ويزداد الأمر سوءا إذا تواصيتم بكتمان النكاح، ولم تعلنوه في الناس!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لا ريب في أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان. وأما مع الكتمان والإشهاد : فهذا مما ينظر فيه. وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان فهذا لا نزاع في صحته.
وإذا انتفى الإشهاد والإعلان : فهو باطل عند عامة العلماء ، وإن قُدّر فيه خلاف فهو قليل". انتهى؛ من "الاختيارات الفقهية" ص 177.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (67884).
فالذي ننصحك به أن تصبر حتى ييسر الله لك أمرك وتكون عندك القدرة على القيام بأعباء الزواج ، قال الله تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور/33.
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره (ص567):
هذا حكم العاجز عن النكاح، أمره الله أن يستعفف، أن يكف عن المحرم، ويفعل الأسباب التي تكفه عنه، من صرف دواعي قلبه بالأفكار التي تخطر بإيقاعه فيه، ويفعل أيضا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء) .
وقوله: الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا أي: لا يقدرون نكاحا، إما لفقرهم أو فقر أوليائهم وأسيادهم، أو امتناعهم من تزويجهم ، وليس لهم من قدرة على إجبارهم على ذلك ...
حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَعْدٌ للمستعفف أن الله سيغنيه وييسر له أمره، وأَمْرٌ له بانتظار الفرج، لئلا يشق عليه ما هو فيه" انتهى.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك.
والله أعلم.