عنوان الفتوى : أحوال السلف في ختم القرآن الكريم
أنا شاب لم أكمل ولا مرة في حياتي قراءة أو حفظ القرآن الكريم. أحاول أن أداوم على قراءته يوميًا ولو آية.
في أيام شهر رمضان كذلك أحاول قراءته قدر المستطاع، لكن لا تصل الأيام الأخيرة في رمضان إلا وأجد نفسي قرأت فقط نصفه.
خلال ذلك غالبًا ما يطرح عليّ أحد أصدقائي، أو أحد أفراد عائلتي سؤالا: كم ختمت القرآن في هذا الشهر؟ أحس بالحرج، فأكذب وأجيب برقم عشوائي.
فهل علي شيء؟
هل من الضروري أن أختم القرآن في شهر رمضان على الأقل مرة واحدة؟
وكيف أحسن من تلاوتي وتجويدي للقرآن؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الكذب على الناس وذكرك لهم أنك ختمت؛ محرم، ولا يليق بالمؤمن أن يكون كذاباً.
ففي الموطأ: أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: "نعم". فقيل له أيكون المؤمن بخيلا؟ً فقال: "نعم". فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: "لا".
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود ـرضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
ثم إنه لا ينبغي سؤال الناس كم ختموا في رمضان، فهذا داخل في حد كلام الإنسان فيما لا يعنيه، وهو مكروه، وقد جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
قال الغزالي في الإحياء -وهو يعدد صور الكلام فيما لا يعني-: فإنك تسأل غيرك عن عبادته مثلاً، فتقول له: هل أنت صائم؟ فإن قال: نعم، كان مظهرا لعبادته، فيدخل عليه الرياء، وإن لم يدخل سقطت عبادته من ديوان السر، وعبادة السر تفضل عبادة الجهر بدرجات.
وإن قال لا كان كاذبا، وإن سكت كان مستحقرا لك، وتأذيت به، وإن احتال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد وتعب فيه، فقد عرضته بالسؤال إما للرياء، أو للكذب، أو للاستحقار، أو للتعب في حيلة الدفع. وكذلك سؤالك عن سائر عباداته. اهــ.
واعلم أنه ليس من الضروري الواجب وجوبا شرعيا أن تختم القرآن في شهر رمضان، ولكنه لا ينبغي التساهل في قراءة القرآن ولا ترك تلاوته، ولا عدم ختمه في أكثر من أربعين يوما، والأفضل ختمه كل أسبوع.
فقد قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: يستحب أن يقرأ القرآن في كل سبعة أيام، ليكون له ختمة في كل أسبوع.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يختم القرآن في النهار في كل سبعة يقرأ في كل يوم سبعا، لا يتركه نظرا.
وقال حنبل: كان أبو عبد الله يختم من الجمعة إلى الجمعة.
وذلك لما روي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الله بن عمرو: اقرأ القرآن في سبع، ولا تزيدن على ذلك. رواه أبو داود. وعن أوس بن حذيفة، قال: قلنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد أبطأت عنا الليلة. قال إنه طرأ علي حزبي من القرآن، فكرهت أن أخرج حتى أتمه.
قال أوس: سألت أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده. رواه أبو داود.
ويكره أن يؤخر ختمة القرآن أكثر من أربعين يوما؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله عبد الله بن عمرو: في كم يختم القرآن؟ قال: في أربعين يوما، ثم قال: في شهر. ثم قال: في عشرين، ثم قال: في خمس عشرة. ثم قال: في عشر. ثم قال: في سبع. لم ينزل من سبع. أخرجه أبو داود.
وقال أحمد: أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين.
ولأن تأخيره أكثر من ذلك يفضي إلى نسيان القرآن والتهاون به، فكان ما ذكرنا أولى، وهذا إذا لم يكن له عذر، فأما مع العذر فواسع له. اهـ.
أما التجويد وتحسين التلاوة، فيكون بالممارسة بين يدي شيخٍ متقن، وبسماع تلاوات القراء المجيدين؛ فإن سماع التلاوة الحسنة مرغب فيه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري: لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أُوتيتَ مزماراً من مزامير آل داود. رواه الشيخان.
والله أعلم.