عنوان الفتوى : هل صح عن عمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود أنهم أجازوا قراءة القرآن بالألحان؟
هل صحيح أن الصحابة (عمر بن الخطاب، وابن عباس، وابن مسعود) أجازوا قراءة القرآن بالألحان (المقامات)، كما ذكر (ابن بطال) في شرح صحيح البخاري؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع بعد البحث على روايات صحيحة السند عن هؤلاء الصحابة في إجازتهم قراءة القرآن بالألحان، والذي اطلعنا عليه هو مارواه ابن حبان في صحيحه: أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبر أن أبا هريرة حدثه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قراءة أبي موسى الأشعري، فقال: لقد أوتي هذا من مزامير آل داود. قال أبو سلمة: وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول لأبي موسى، وهو جالس في المجلس: يا أبا موسى ذكرنا ربنا، فيقرأ عنده أبو موسى، وهو جالس في المجلس، ويتلاحن. اهـ.
وقد ضعف الألباني الفقرة الأخيرة؛ لأن أبا سلمة لم يدرك عمر -رضي الله عنه-، فصار الأثر منقطع السند.
وذكر الألباني في أصل صفة الصلاة، وفي السلسلة الصحيحة ما أخرجه ابن نصر، وأبو نعيم في " الحلية " (4/236)، والطبراني من طريق سعيد بن زَرْبِيّ: ثنا خالد عن إبراهيم عن علقمة قال: كنت رجلاً قد أعطاني الله حُسن الصوت بالقرآن، فكان عبد الله يستقرئني، ويقول لي: فداك أبي وأمي! فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: " إن حسن الصوت تزيينٌ للقرآن ". قال الألباني: روى البزار المرفوع منه. وسعيد بن زَرْبِيّ: ضعيف -كما قال الهيثمي-. وذكر أثر ابن عباس : " لكل شيء حلية، وحلية القرآن حسن الصوت ". وقال: أخرجه الطبراني في " الأوسط ". وفيه إسماعيل بن عمرو البَجَلي، وهو ضعيف.... اهـ.
وقد نقل ابن بطال إباحة الألحان في القراءة عن هؤلاء الصحابة في شرحه لصحيح البخاري من غير ذكر سند عنهم، وقد تابعه في هذا جمع من أهل العلم منهم ابن الملقن، وابن القيم، وابن حجر، والعيني، ولم نر من أهل العلم من طعن في ذلك .
وقد تكلم الحافظ ابن حجر على الخلاف في المسألة، فقال -رحمه الله- في فتح الباري: ولا شك أن النفوس تميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم؛ لأن للتطريب تأثيرا في رقة القلب، وإجراء الدمع، وكان بين السلف اختلاف في جواز القرآن بالألحان ...فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان، وحكاه أبو الطيب الطبري، والماوردي، وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم، وحكى ابن بطال، وعياض، والقرطبي من المالكية، والماوردي، والبندنيجي، والغزالي من الشافعية، وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهة، واختاره أبو يعلى، وابن عقيل من الحنابلة، وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة، والتابعين الجواز، وهو المنصوص للشافعي، ونقله الطحاوي عن الحنفية. وقال الفوراني من الشافعية في الإباحة: يجوز، بل يستحب. ومحل هذا الاختلاف، إذا لم يختل شيء من الحروف عن مخرجه، فلو تغير، قال النووي في التبيان: أجمعوا على تحريمه. ولفظه: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفا، أو أخفاه حرم. قال: وأما القراءة بالألحان، فقد نص الشافعي في موضع على كراهته، وقال في موضع آخر: لا بأس به، فقال أصحابه: ليس على اختلاف قولين، بل على اختلاف حالين، فإن لم يخرج بالألحان على المنهج القويم جاز، وإلا حرم، وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة بالألحان، إذا انتهت إلى إخراج بعض الألفاظ عن مخارجها حرم، وكذا حكى ابن حمدان الحنبلي في الرعاية، وقال الغزالي، والبندنيجي، وصاحب الذخيرة من الحنفية: إن لم يفرط في التمطيط الذي يشوش النظم استحب، وإلا فلا ... والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا، فليحسنه ما استطاع، كما قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث. وقد أخرج ذلك عنه أبو داود بإسناد صحيح، ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم، فإن الحسن الصوت يزداد حسنا بذلك، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، ولعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام؛ لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء، فإن وجد من يراعيهما معا، فلا شك في أنه أرجح من غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء. اهـ.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 446023، 415474، 141761، 177585.
والله أعلم.