عنوان الفتوى : هل يلزم الطالب أجرة السيارة التي توصله للمدرسة إذا تغيب أكثر الشهر؟
والدي يعمل في توصيل الطلبة إلى المدرسة بسيارته الخاصة مقابل أجر شهري متفق عليه، ويتم دفعه مقدمًا، ومثل كل شهر دفع كل الطلاب المبلغ كاملًا، لكن أحد الطلاب بعد الدفع داوم أسبوعا فقط، ثم تغيب لظرف صحي، وحين جاء الشهر الجديد ،طلب أبي من الجميع دفع مبلغ أسبوع فقط لفترة الامتحانات، لكن هذا الطالب رفض دفع المبلغ، وقال: إن ما دفعه للشهر الماضي يكفي، فهو قد دفع ولم يستفد مما دفعه؛ لأنه لم يداوم، فهل من حق أبي أن يطالبه بالدفع الجديد؟ وهل مبلغ الشهر الماضي الذي أخذه أبي والطالب لم يداوم إلا أسبوعًا حلال؟
الحمد لله.
الأصل أن عقد الإجارة عقد لازم لا يفسخ إلا برضا الطرفين، وأن الأجير يستحق أجرة المدة ما دام مستعدا مهيئا نفسه للعمل حتى لو لم يركب معه أحد.
وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
وذهب بعضهم إلى جواز فسخ الإجارة للعذر الطارئ، وهو مذهب الحنفية.
ومن الأعذار الطارئة ما لو مرض المستأجر، فيحق له فسخ العقد.
قال الكاساني في بدائع الصنائع (4/ 197):
" الثاني: عدم حدوث عذر بأحد العاقدين أو بالمستأجر.
فإن حدث بأحدهما أو بالمستأجر عذر: لا يبقى العقد لازما، وله أن يفسخ.
وهذا عند أصحابنا .
وعند الشافعي: هذا ليس بشرط ، ويبقى العقد لازما .
ولقب المسألة : أن الإجارة تفسخ بالأعذار عندنا ، خلافا له...
العذر قد يكون في جانب المستأجِر ، وقد يكون في جانب المؤاجر، وقد يكون في جانب المستأجَر .
أما الذي في جانب المستأجر: فنحو أن يفلس، فيقوم من السوق، أو يريد سفرا، أو ينتقل من الحرفة إلى الزراعة، أو من الزراعة إلى التجارة، أو ينتقل من حرفة إلى حرفة؛ لأن المفلس لا ينتفع بالحانوت، فكان في إبقاء العقد من غير استيفاء المنفعة إضرار به، ضررا لم يلتزمه العقد فلا يجبر على عمله...
وقال هشام عن أبي يوسف، في امرأة ولدت يوم النحر قبل أن تطوف، فأبى الجمال أن يقيم؟ قال: هذا عذر؛ لأنه لا يمكنها الخروج من غير طواف، ولا سبيل إلى إلزام الجمال للإقامة مدة النفاس؛ لأنه يتضرر به إذ هي مدة ما جرت العادة بإقامة القافلة قدرها، فيجعل عذرا في فسخ الإجارة. وإن كانت قد ولدت قبل ذلك وقد بقي من مدة نفاسها كمدة الحيض أو أقل: أجبر الجمال على المقام معها؛ لأن هذه المدة قد جرت العادة بمقام الحاج فيها بعد الفراغ من الحج" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/ 271): " فسخ الإجارة للعذر:
الحنفية، كما سبق، يرون جواز فسخ الإجارة لحدوث عذر بأحد العاقدين، أو بالمستأجَر (بفتح الجيم)، ولا يبقى العقد لازما ويصح الفسخ؛ إذ الحاجة تدعو إليه عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد حينئذ، للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد؛ فكان الفسخ في الحقيقة امتناعا من التزام الضرر، وله ولاية ذلك. وقالوا: إن إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن الشرع والعقل؛ لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه، فاستأجر رجلا ليقلعها، فسكن الوجع، يجبر على القلع. وهذا قبيح شرعا وعقلا.
ويقرب منهم المالكية في أصل جواز الفسخ بالعذر، لا فيما توسع فيه الحنفية، إذ قالوا: لو كان العذر بغصب العين المستأجرة أو منفعتها، أو أمر ظالم لا تناله الأحكام بإغلاق الحوانيت المكتراة، أو حمل ظِئْر - لأن لبن الحامل يضر الرضيع - أو مرضها الذي لا تقدر معه على رضاع؛ حق للمستأجر الفسخ أو البقاء على الإجارة" انتهى.
وجاء في معيار الإجارة: "يجوز فسخ عقد الإجارة باتفاق الطرفين، ولا يحق لأحدهما فسخها إلا بالعذر الطارئ، كما يحق للمستأجر الفسخ بسبب العيب الحادث في العين، المخل بالانتفاع" انتهى من "المعايير الشرعية"، ص 141
وعلى ذلك؛ فقد كان لهذا الطالب أن يفسخ العقد لمرضه، وحينئذ، لا يدفع إلا أجرة الأسبوع الذي ركب فيه، ويرد إليه والدك بقية الأجرة.
فإذا كان الطالب لم يفسخ العقد-كما هو ظاهر السؤال، ولذلك جاء للركوب بعد ذلك من غير اتفاق جديد-: فإنه تلزمه أجرة الشهر.
وإذا أراد الذهاب مدة الامتحانات: لزمته أجرة أسبوع، ولا عبرة بما دفعه في الشهر السابق؛ لأنه دفع أجرة لازمة له.
ولو أن أباك أعفاه من أجرة هذا الأسبوع، مراعاة لكونه لم يركب معه أكثر الشهر السابق، لكان خيرا، وفيه إحسان وتطييب لنفسه.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |