عنوان الفتوى : أوصى ألا يدفن أحد في قبره
أب أوصى أنه بعد وفاته لا يسمح لزوجة ابنه أن تدفن في قبره. توفي الأب، وبعد 15 سنة توفيت زوجة الابن.
فهل يجب أن تنفذ الوصية، وإذا لم تنفذ، هل يكون عقوقا للوالد؟
جزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن القبر حبس على من دفن به، ولا يجوز دفن غيره فيه بغير ضرورة، إلا أن يكون مندرسا، وبلي من فيه، ولم يبق له أثر، وأما إذا بقي فيه أثر للميت، فعندئذ لا يجوز نبشه، ولا التعدي على حرمة من فيه، ولا دفن غيره معه.
قال خليل في مختصره: القبر حبس، لا يمشى عليه، ولا ينبش ما دام به. اهـ.
وقال النووي: يجوز نبش القبر، إذا بلي الميت، وصار ترابا، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: إن تيقن أن الميت قد بلي، وصار رميماً، جاز نبش قبره، ودفن غيره فيه، وإن شك في ذلك رجع إلى أهل الخبرة، فإن حفر، فوجد فيها عظاماً دفنها، وحفر في مكان آخر، نص عليه أحمد. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في شرح المنهاج: ويحرم إدخال ميت على آخر، وإن اتحدا، قبل بلى جميعه.... اهـ، وراجع الفتوى: 71378.
وبناء عليه، فلا يجوز دفن شخص في قبر يوجد به بعض آثار الميت الأول، سواء وصى الميت، أم لا ما لم تدع ضرورة إلى ذلك، وأما إذا جاءت فترة يغلب على الظن أنه بلي فيها، وانمحت آثاره، فيجوز نبش القبر، ودفن غيره فيه، ولا يجب تنفيذ وصية الأب التي لا تظهر فيها مصلحة، ولا يعتبر خلافه من العقوق، والأولى بكم أن تدفنوا تلك المرأة بمكان مستقل.
هذا إذا كان السؤال عن قبر خاص بصاحبه، وأما إذا كان السؤال يتعلق بمقبرة عائلية تملكها عائلة معينة، فلا يجوز دفن شخص فيها من دون إذنهم.
قال البهوتي في كشاف القناع: ويحرم دفن في ملك غيره بلا إذن ربه؛ للعدوان. اهـ.
وجاء في بحر المذهب للروياني الشافعي (2/ 550): لو دفن في ملك غيره بغير أمره، فهو غصب. اهـ. ولكنه لا يجب تنفيذ وصية الأب المذكورة، فلو رأى أحياء الأسرة المالكون للمقبرة مصلحة في دفن هذه المرأة في المقبرة العائلية، فلا حرج؛ لأن إذن المالك يبيح الدفن في الأرض المملوكة، كما قال البهوتي في شرح منتهى الإرادات (1/ 377): (و) يحرم دفن (في ملك غيره) ما لم يأذن مالكه فيه، فيباح. اهـ. ولأن وصية الميت إنما يجب تنفيذها فيما يتعلق بماله، إذا وصى بصرف الثلث في عمل بر، وأما وصاياه الأخرى، فتعرض على الشرع، فيباح منها ما كان مباحا، ويمنع ما كان ممنوعا، ولا يجب ما لم يثبت سبب لوجوبه.
قال النووي في الأذكار -بعد ذكره لبعض وصايا السلف-: وينبغي أن لا يقلد الميت، ويتابع في كل ما وصى به، بل يعرض ذلك على أهل العلم، فما أباحوه فعل، وما لا فلا. وأنا أذكر من ذلك أمثلة، فإذا أوصى بأن يدفن في موضع من مقابر بلدته، وذلك الموضع معدن الأخيار، فينبغي أن يحافظ على وصيته...، ولو أوصى بأن يبنى عليه في مقبرة مسبلة للمسلمين، لم تنفذ وصيته، بل ذلك حرام. اهـ.
والله أعلم.