عنوان الفتوى : أحكام وشروط مشاركة الأجير الخاص كشريك في مجال الأعمال
أعمل أنا وصديقي كشريكين في مجال الطلاء منذ مدة، وما جنيناه نتقاسمه، والآن صديقي حصل على وظيفة في التعليم، وقال سنكمل شراكتنا كما كانت، فما يجنيه هو من وظيفته في التعليم نتقاسمه، وما أجنيه أنا من الطلاء نتقاسمه، فهل يجوز ذلك؟ مع العلم أن عمل الطلاء ليس دائما، فقد أعمل يوما، وأبقى عشرة أيام بلا عمل من جهة، وقد يكون العمل في المدينة نفسها، وقد يكون في مدينة أخرى، ومن جهة أخرى فالوظيفة لها فوائد أخرى مستقبلا، لا نتشاركها كالمعاش التقاعدي، وما إلى ذلك، فهل تجوز شراكتنا أم لا؟
وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الصورة تدخل في شركة الأبدان، أو الأعمال، وفي صحتها خلاف بين أهل العلم، سبق ذكره في الفتوى: 72115.
والجمهور القائلون بصحتها – خلافا للشافعية - قد اختلفوا في اشتراط اتفاق الصنعة واتحاد المكان بين الشركاء، فاشترط ذلك المالكية، ولم يشترطه الحنفية، والحنابلة في معتمد مذهبهم، وهذا هو الأظهر، وعلى هذا القول: فإن الربح في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه، وإن تفاوت العمل، والكسب، حتى وإن عمل أحدهما دون صاحبه، فالكسب بينهما كذلك، كما سبق بيانه في الفتويين: 97189، 173109.
وجاء في درر الحكام في شرح مجلة الأحكام: يشترط في شركة الأعمال أن يحوز العمل شرطين:
الشرط الأول: أن يكون العمل حلالا، فلا تصح الشركة في العمل الحرام كالاشتراك في السرقة، والغصب، والارتشاء.
الشرط الثاني: أن يكون العمل مما يجوز التوكيل فيه، وأن يكون عملا إذا قام به العامل يستحق الأجرة عليه كالاشتراك في تعليم الكتابة، والقرآن، والكتب الشرعية، فلو اشترك اثنان في تعليم الكتب الشرعية جاز. اهـ.
وعمل الأجير الخاص – كعمل صديق السائل - مما لا يجوز التوكيل فيه على مذهب أبي حنيفة، قال الطحاوي في اختلاف العلماء: قال أصحابنا: تجوز شركة الأبدان في الصناعات، اتفقت أو اختلفت، عملا في موضعين، أو موضع واحد، ولا تجوز في الاصطياد، والاحتطاب، ونحوه، وروي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال: كل ما تجوز فيه الوكالة تجوز فيه الشركة، وما لا تجوز فيه الوكالة لا تجوز فيه الشركة. اهـ.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية شركة الأبدان في الأجير المشترك، والأجير الخاص، فقال - كما في مجموع الفتاوى-: شركة الأبدان التي تنازع الفقهاء فيها نوعان، أحدهما: أن يشتركا فيما يتقبلان من العمل في ذمتهما كأهل الصناعات من الخياطة، والنجارة، والحياكة، ونحو ذلك، الذين تقدر أجرتهم بالعمل، لا بالزمان - ويسمى الأجير المشترك - ويكون العمل في ذمة أحدهم، بحيث يسوغ له أن يقيم غيره أن يعمل ذلك العمل، والعمل دين في ذمته، كديون الأعيان؛ ليس واجبا على عينه كالأجير الخاص، فهؤلاء جوز أكثر الفقهاء اشتراكهم كأبي، حنيفة، ومالك، وأحمد... قالوا: وهذه الشركة مبناها على الوكالة، فكل من الشريكين يتصرف لنفسه بالملك، ولشريكه بالوكالة، ولم يجوزها الشافعي، بناء على أصله، وهو أن مذهبه أن الشركة لا تثبت بالعقد، وإنما تكون الشركة شركة الأملاك خاصة... ولما كان مبنى الشركة على هذا الأصل تنازعوا في الشركة في اكتساب المباحات؛ بناء على جواز التوكل فيها، فجوز ذلك أحمد، ومنعه أبو حنيفة. اهـ.
ثم ذكر الإجارة الخاصة، ورجح صحة الاشتراك فيها، فقال: إذا تشاركا فيما يؤجران فيه أبدانهما، ودابتيهما إجارة خاصة، ففي هذه الإجارة قولان مرويان، والبطلان مذهب أبي حنيفة، وطائفة من أصحاب أحمد: كأبي الخطاب، والقاضي في أحد قوليه... ومن جوزه، قال: هو مثل الاشتراك في اكتساب المباحات؛ لأنه لم يثبت هناك في ذمة أحدهما عمل؛ ولكن بالشركة صار ما يعمله أحدهما عن نفسه وعن شريكه، كذلك هنا ما يشترطه أحدهما من الأجرة، أو شرط له من الجعل: هو له ولشريكه، والعمل الذي يعمل عن نفسه وعن شريكه، وهذا القول أصح... اهـ.
ثم أكد ذلك في اشتراك الشهود في الجُعل، حيث صححه ولو كان جعل الشهادة لشاهد بعينه، فقال: الشهادة لا تثبت في الذمة، ولا يصح التوكل فيها حتى يكون أحد الشريكين متصرفا لنفسه بحكم الملك، ولشريكه بحكم الوكالة، والعوض في الشهادة من باب الجعالة؛ لا من باب الإجارة اللازمة؛ فإنما هي اشتراك في العقد؛ لا عقد الشركة.... ثم الجعل في الشهادة قد يكون على عمل في الذمة، وللشاهد أن يقيم مقامه من يشهد للجاعل، فهنا تكون شركة صحيحة عند كل من يقول بشركة الأبدان وهم الجمهور: أبو حنيفة، ومالك، وأحمد وغيرهم.. إلا أن يكون الجعل على أن يشهد الشاهد بعينه فيكون فيها القولان المتقدمان، والصحيح أيضا جواز الاشتراك في ذلك، كما هو قول مالك في أصح القولين. اهـ.
والموظف - سواء في التعليم، أو غيره من المهن - يعتبر أجيرا خاصا، ويجري فيه الخلاف السابق، وتصح مشاركته شركة أبدان على ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
وأما ما ذكره السائل من وجود فوائد أخرى للوظيفة كالمعاش التقاعدي مستقبلا، فهذا يمكن تجاوزه بقصر الشركة على الراتب الشهري، أو الدخل الحالي، دون ما يحصل في المستقبل.
والله أعلم.