عنوان الفتوى : النكاح دون ولي بموافقة الحاكم
الموضوع: طلب فتوى شرعية أود من سماحتكم الرد علي بالسرعة القصوى، فأنا فتاة كويتية لم يتقدم لي إلا كفء أراه من خارج عائلتي وحاولت جاهدة رغبة في شرع النكاح أن أحصل على موافقة أبي فوعدت خيرا بأنني لو سافرت وهذا الرجل لإكمال دراستنا العليا فإن أبي سيوافق وحاولت جاهدة لكني وجدت نفسي بالغربة والرجل الذي أريد نكاحه نكمل دراستنا، أنا مقيمة وهو نظام جزئي ولم يكن أمامنا إلا الزواج الشرعي في المملكة المتحدة وتوثيق عقد زواجنا من سفارة بلدنا والحمد لله، وبعد أن أردت أن أحصل على عقد زواج من بلدي تأكيداً للعقد الشرعي ارتأيت تأجيله نظراً لظروفي النفسية وتقدمت بعد عام بطلب إلا أن أحداث حرب الخليج وقلقي على أهلي ووطني جعلتني أسحب الطلب وخاصة تحت تهديد أهلي لي وعظيم دعواهم علي بعدم التوفيق وكنت وحيدة حينها وأصبت بانهيار عصبي على أثره ترجيت زوجي أن يفعل أي شيء لتهدأ العاصفة، فلما جاء أخي إلى أبيه كتب زوجي ورقة أنه يطلقني أمام أبيه وأخي وهولا يعزم الطلاق واتصل لي في نفس اليوم إن كان هذا يحسب علي إنه طلاق فقد أرجعتك إلى ذمتي أو لا فلا نيتي أن أطلقك أبداً إلا إن ما يحدث لك لتخفيفه كتبت هذه الورقة، ورفعت دعوى بنفاذ الزواج في بلدي والحمد لله تمت لي الدعوة وأصبح عقد زواجي صحيحاً نافذاً في بلدي وقد عشت من فترة رجوعي في شهر أغسطس الماضي حتى الآن في بيت أبي بعد أن وعدتني أختي الكبرى أن حصولي على درجة الدكتوراه كفيل بأن يجعل أهلي يحترمون رغبتي وأعيش مع زوجي وحاولت كما حاولت كثيراً حرمت وزوجي من بعضنا ونحن في نفس البلد لا لشيء إلا لأن يلين قلب أبي والله إن الحجر يلين ولا يلين قلب أبي الذي جعلني أعاني الأمرين في الغربة والزواج واشتدت المشاكل بيني وبين أهلي فما طقت العيش ببيت أهلي فأخذت لي شقة في السكن الجامعي وأعيش لوحدي لأن إخوتي وعدوني خيراً، وإن أتاني فلا أسكن مع زوجي الأخ الفاضل أبي يتهم زواجي بالباطل وأنا في صيغة نفاذ العقد قد تعلل بأنني قد تزوجت بالولاية العامة في المملكة المتحدة، لأن الذي زوجني قاض شرعي بشهود مسلمين وولايته لأنه مسؤول عن تزويج المسلمين في المملكة المتحدة وتعلل أيضاً بأنني وفقاً للمذهب الحنفي وبعض مدارس الشافعية لي الحق في تزويج نفسي لأنني قاصرة وأبلغ من العمر 33 عاماً،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم أن كل نكاح وقع بدون ولي فهو باطل؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل. كما في المستدرك وصحيح ابن حبان، وفي صحيح ابن حبان أيضاً عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، إلا أن يثبت عضل الولي لها، وحينئذ فهي كفاقدة الولي، والسلطان ولي من لا ولي له.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلى أن للمرأة أن تزوج نفسها وغيرها وتوكل في النكاح لأن الله تعالى قال: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:232].
أضاف النكاح إليهن ونهى عن منعهن ولأنه خالص حقها وهي من أهل المباشرة فصح منها، واستدل الجمهور بالحديثين المتقدمين، ويفسخ النكاح بلا ولي قبل الدخول وبعده عند الجمهور ولا يترتب عليه حد لشبهة العقد والحدود تدرأ بالشبهات، ويلحق فيه الولد أيضاً نظراً للعقد هذا إذا تولى هذا العقد المذكور غير الحاكم أو نائبه، فإذا تولاه الحاكم أو نائبه فإنه لا ينقض، وعليه فإن العقد المذكور إن صح أنه وقع عند قاض من قضاة المسلمين وشهود فإنه صحيح ولا يفسخ، قال ابن قدامة في المغني بعد أن ذكر أن النكاح لا يصح إلا بولي قال: فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه وكذا سائر الأنكحة الفاسدة، وقال في المهذب: فإن عقد النكاح بغير ولي وحكم به الحاكم ففيه وجهان: أحدهما: أنه ينقص حكمه لأنه مخالف لنص الخبر -يعني حديث عائشة المتقدم- الثاني: أنه لا ينقض وهو الصحيح لأنه مختلف فيه، وقال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره: ونقل ملك وفسخ عقد وتقرر نكاح بلا ولي حكم أي فيرتفع به الخلاف إن وقع ممن يراه، ولا شك أن القاضي الذي وقع عنده هذا العقد لا بد أن يكون مستنداً على مذهب أبي حنيفة في هذا الحكم هذا مع ما يخشى من الفساد على هذه الفتاة المصاحبة لرجل أجنبي تريده ويريدها.
وقال الشيخ أحمد الدردير في حاشيته على مختصر خليل بن إسحاق المالكي عند قوله (وفسخ تزويج حاكم أو غيره ابنته في كعشر) قال: وهذا إذا كانت النفقة جارية عليها ولم يخش عليها الفساد وكانت الطريق مأمونة وإلا زوجها القاضي، ومحل الشاهد قوله: ولم يخش عليها الفساد.
وقال الدسوقي معلقاً على كلام الدردير: فعلم من هذا أن الصغيرة غير اليتيمة تزوج إذا خيفت عليها الضيعة أو عدمت النفقة، وأنه يزوجها الحاكم لا وليها. انتهى كلامه.
أما الطلاق فإنه واقع ولكن الرجعة صحيحة لأنها جاءت في محلها، وأما الأب فإنه لا ينبغي له أن يحول بينك وبين زوجك بحجة أنه لا يعجبه أصله فإن الكفاءة الدين، لاسيما وأنه لا فائدة من ممانعته بعد أن حصل ما حصل.
والله أعلم.