عنوان الفتوى : سب المشركين وآلهتهم ... رؤية شرعية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم السب عند الغضب، والاستغفار بعدها؟ هل تكتب سيئة أم لا؟ هناك كبار الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يسبون المشركين، فهل كانوا يأثمون، أم كانوا يؤجرون؛ لأن السب موجه لكفار؟ مثلا عندما سب أبو بكر الصديق عروة بن مسعود، وقال له: امصص ببظر اللات، وعندما سب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كفار قريش بعد غزوة الخندق، فهل هم مأجورون رضي الله عنهم أم لا؟

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإذا كان المراد من السؤال هو عن حكم سب آلهة المشركين من الأصنام ونحوها، فذلك جائز، بل هو طاعة ما لم يترتب عليه مفسدة أعظم، فيكون معصية وسيئة، لقول الله تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ . {سورة الأنعام:108}.

قال الرازي في تفسيره: أَنَّ هَذَا الشَّتْمَ، وَإِنْ كَانَ طَاعَةً. إِلَّا أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مُنْكَرٍ عَظِيمٍ، وَجَبَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَالْأَمْرُ هَاهُنَا كَذَلِكَ، لِأَنَّ هَذَا الشَّتْمَ كَانَ يَسْتَلْزِمُ إِقْدَامَهُمْ عَلَى شَتْمِ اللَّهِ، وَشَتْمِ رَسُولِهِ، وَعَلَى فَتْحِ بَابِ السَّفَاهَةِ، وعلى تنفيرهم عَنْ قَبُولِ الدِّينِ، وَإِدْخَالِ الْغَيْظِ، وَالْغَضَبِ فِي قُلُوبِهِمْ، فَلِكَوْنِهِ مُسْتَلْزِمًا لِهَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ، وَقَعَ النَّهْيُ عَنْهُ. اهــ.

قال ابن الجوزي في زاد المسير : فَمَتَى كَانَ الْكَافِرُ فِي مَنَعَةٍ، وَخِيفَ أَنْ يَسُبَّ الْإِسْلَامَ، أَوِ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، أَوِ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسُبَّ صُلْبَانَهُمْ، وَلَا دِينَهُمْ، وَلَا كَنَائِسَهُمُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْثِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.. اهــ.

وأما عن سب أبي بكر الصديق للمشركين، وآلهتهم فراجع فيه الفتوى رقم : 59816

وأما ما حصل من عمر -رضي الله عنه- في رده على كلام أبي سفيان عقب معركة أحد، فلم يحصل منه مفسدة أعظم، وعمر في رده ذلك مأجور -إن شاء الله تعالى- جاء في صحيح البخاري : ..وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ»، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ»، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لأَجَابُوا، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُحْزِنُكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أُعْلُ هُبَلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى، وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ» .

والله أعلم.