عنوان الفتوى : هل يؤاخذ التائب ببقاء أثر معصيته؟
سابقا كنت أضع لايكات (إعجابات) لفيديوهات بها موسيقى، وقد تبت إلى الله منها، وحذفت كل ما وضعت، فهل أتممت توبتي؟ وماذا يجب لإتمام التوبة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الله يقبل توبة من تاب من الذنوب توبة نصوحا، إذا استوفيت شروط التوبة، ويدل لهذا قول الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ {الشورى:25}.
وقوله تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {الأنعام:54}.
كما يدل له ما في حديث مسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. وما في حديث الترمذي: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وحديث ابن ماجه: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ولكنه إذا كان وضع الإعجاب يسبب اطلاع الآخرين على الفيديو، فيخشى أن يكون في هذا دعوة للباطل، وأن يكون عليك مثل آثام من اطلعوا عليه بسببك؛ ففي صحيح مسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا.
وفي الحديث: ومَنْ سَنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها، ووزرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا. رواه مسلم.
وقال الله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ {النحل:25}.
وقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ {يس:12}.
قال ابن كثير: أي نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فنجزيهم على ذلك أيضًا، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر... اهـ.
وبناء عليه؛ ينبغي لك أن تسعى في الإكثار من الدعوة للطاعات، والعمل الصالح، وحض الأصدقاء على التوبة، والبعد عن جميع المعاصي، وأن تستخدم التقنيات المعاصرة في ذلك، ونرجو بذلك أن يمحو الله عنك ما سبق، وأن لا يضرك ما لو بقي بعضهم متمسكا بتلك الفيديوهات، فقد ذكر العلماء أن من تاب من ذنب، فقد أتى بما هو واجب عليه، وإن بقي أثره، ومثلوا لذلك بمن رجع عن بث بدعة بعد أن كثر أتباعه فيها، وإلى هذا أشار صاحب مراقي السعود بقوله:
من تاب بعد أن تعاطى السببا فقد أتى بما عليه وجبا
وإن بقي فساده كمن رجع عن بث بدعة عليها يتبع.
وقال القاري في المرقاة: قال ابن حجر: تنبيه: لو تاب الداعي للإثم، وبقي العمل به، فهل ينقطع إثم دلالته بتوبته؛ لأن التوبة تجب ما قبلها، أو لا، لأن شرطها رد الظلامة، والإقلاع، وما دام العمل بدلالته موجودا فالفعل منسوب إليه، فكأنه لم يرد ولم يقلع؟... قال القاري: والأظهر الأول، وإلا فيلزم أن نقول بعدم صحة توبته، وهذا لم يقل به أحد، ثم رد المظالم مقيد بالممكن، وإقلاع كل شيء بحسبه حتمًا، وأيضا استمرار ثواب الاتباع مبني على استدامة رضا المتبوع به، فإذا تاب وندم، انقطع، كما أن الداعي إلى الهدى إن وقع في الردى -نعوذ بالله منه- انقطع ثواب المتابعة له، وأيضا كان كثير من الكفار دعاة إلى الضلالة، وقبل منهم الإسلام، لما أن الإسلام يجب ما قبله، فالتوبة كذلك، بل أقوى، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. انتهى.
وراجع الفتويين: 172419، 124586.
والله أعلم.