عنوان الفتوى : إذا ترك المشتري السلعة ولم يدفع الثمن وعليه دين للبائع فهل يستوفي منه؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

إذا كان بين البائع والمشتري دين، وتراجع المشتري عن الشراء، فهل يحق للبائع أن يستولي على الدين على أنه عربون؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

أولا:

بيع العربون: هو أن يدفع جزءا من الثمن عند العقد، على أنه إن لم يأخذ السلعة ذهب عليه هذا الجزء، وهو جائز عند الحنابلة، خلافا للجمهور.

قال في "المبدع" (4/58): " بيع العربون، وهو أن يشتري شيئا بثمن معلوم (ويعطي البائع درهما) أو أكثر (ويقول: إن أخذته) احتُسب به من الثمن، (وإلا) أي: وإن لم آخذه (فالدرهم لك. فقال أحمد: يصح؛ لأن عمر فعله)؛ لما روى نافع بن عبد الحارث: أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان، فإن رضي عمر، وإلا له كذا وكذا.

فلو دفع إليه درهما قبل البيع، وقال: لا تبعه لغيري، وإن لم أشترها منك فهو لك، ثم عقد، وحسب من الثمن: جاز، وحمل في " الشرح " فعل عمر عليه، جمعا بين فعله والخبر وموافقة القياس" انتهى.

فالعربون يكون مع العقد الجازم، وليس مع مجرد الوعد، فإن كان الأمر مجرد وعد أو ما يسمى "حجز السلعة" فلو تراجع المشتري عن وعده، فليس للبائع أخذ العربون.

وأما الجمهور فلا يصححون بيع العربون، وعليه فليس للبائع أخذه، ولو كان مع العقد.

وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي بمذهب الحنابلة، وصحح العربون في البيع والإجارة.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: " المراد ببيع العربون بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن، وإن تركها فالمبلغ للبائع، ويجري مجرى البيع الإجارة، لأنها بيع المنافع" انتهى من "مجلة المجمع" عدد 8 ج 1 ص 641.

وجاء في المعايير الشرعية: " يجوز للمؤسسة أخذ العربون بعد عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء مع العميل، ولا يجوز ذلك في مرحلة الوعد" انتهى.

ثانيا:

إذا لم يدفع المشتري عربونا، ولم يتفق مع البائع على ذلك، ثم تراجع عن الشراء، فليس للبائع أن يطالبه بعربون، ولا أن يعتبر الدين القديم عربونا، لكن يطالبه بالثمن، إذا كان الذي تم بينهما عقد، وليس وعدا.

ثالثا:

عقد البيع عقد لازم، لا يُفسخ إلا برضا الطرفين، ما لم يوجد موجب للفسخ كخيار شرط أو عيب.

وعليه؛ فمن اشترى سلعة، وتفرقا من المجلس، ولم يكن له خيار شرط أو عيب، فلا يجوز له فسخ العقد إلا برضى البائع، وهو ما يسمى بالإقالة، وهي مستحبة في حق البائع، لا تجب عليه؛ لما روى أبو داود (3460)، وابن ماجه (2199) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

فلو أبى البائع الإقالة، فالبيع لازم، والسلعة أمانة في يد البائع، وهي ملك للمشتري، ويطالَب بالثمن.

رابعا:

للبائع عند مماطلة المشتري في دفع الثمن أمور:

1-الفسخ، على الراجح.

2-مقاضاته ليدفع ما عليه.

3-أن يمتنع من تسليمه السلعة المبيعة حتى يؤدي ثمنها .

4-إن ظفر بشيء من ماله، لا يزيد على حقه، فله أخذه، مع تسليمه سلعته.

أما الفسخ بسبب مماطلة المشتري في أداء الثمن، سواء أخذ السلعة أو تركها عند البائع، فهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، خلافا للجمهور.

وفي "الموسوعة الفقهية" (32/ 136): "وَيَرَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا كَانَ مُوسِرًا مُمَاطِلاً: فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ؛ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُخَاصَمَةِ، قَال فِي الإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ" انتهى.

وينظر: جواب السؤال رقم: (280600).

والجمهور لا يرون الفسخ، وإنما للبائع مطالبته ومقاضاته حتى يؤدي الثمن.

وهذا هو الخيار الثاني.

وللقاضي أن يحبسه ويعزره، فإن أبى دفع ما عليه، باع ماله وقضى دينه.

قال في "المبدع" (4/284): " (فإن أصر) على الحبس، ولم يقض الدين (باع) الحاكم (ماله وقضى دينه)؛ لما روى كعب بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه . رواه الخلال، والدارقطني من رواية إبراهيم بن معاوية، وقد ضعف، ورواه الحاكم، وقال: على شرطهما.

وظاهره: يجب. نقل حرب: إذا تقاعد بحقوق الناس: يُباع عليه، ويُقْضَى" انتهى.

وأما الخيار الثالث: فهو أن يحتفظ البائع بالسلعة، ويمتنع من تسليمها حتى يدفع المشتري الثمن.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (39/ 265): " ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن للبائع حقَّ حبس المبيع والامتناع عن تسليمه للمشتري حتى يستوفي ثمنه إذا كان حالا، أو القدر الحال منه إذا كان بعضه مؤجلا، أما إذا كان الثمن مؤجلا، فليس للبائع حق الحبس، اعتبارا لتراضيهما على تأخيره.

أما عند الحنابلة فليس للبائع حق حبس المبيع حتى يستوفي ثمنه إذا كان الثمن دينا حالاًّ، أي مالا غير معين ولا مؤجل، وكان حاضرا معه في المجلس، أما إذا كان الثمن غائبا عن المجلس، فللبائع حبس المبيع لقبض الثمن" انتهى.

وأما الخيار الرابع، وهو الظفر بشيء من مال المشتري، فقد قال به كثير من الفقهاء واشترطوا له شروطا. وينظر: جواب السؤال رقم: (171676).

وكلامهم في مسألة الظفر هو في أخذ المال دون علم صاحبه، فلو ظفر البائع هنا بشيء من مال المشتري؛ فله أن يستوفي منه ثمن السلعة.

فإن كان للمشتري دين على البائع، فله أن يخصم من الدين بقدر ثمن السلعة، وتبقى السلعة أمانة عند البائع حتى يأخذها المشتري.

وهذا كله مشروط بما قدمناه، وهو أن يكون ما تم بينهما: عقد، وليس مجرد وعد.

والله أعلم.