عنوان الفتوى : حكم بيع السَّلَّم مع تأخير قبض الثمن عن مجلس العقد وجهالة أجل تسليم السلعة
من صور الدروبشيبينغ المعاصر الجائزة: أن يضبط المرء هذه المعاملة على بيع السلم بشروطه، وأن يبيع شيئا موصوفًا في الذمة، ومع ذلك فهناك شيئان لا أعرف الحكم فيهما.
أولهما: أن الزبون يدفع المال مقدمًا، وهذا شرط السلم، لكن هذا المال يبقى معلَّقًا في نظام الدفع في حساب البائع مدة: 21 يومًا، من أجل حماية المشتري، فهل هذا يسمى قبضًا؟
وثانيهما: هو أن من شروط السلم أيضا الأجل المعلوم، لكنني لا أجد هذا الشرط قائمًا، لأن الغالب -والله أعلم- في دروبشيبينغ هو أن البائع -الذي هو أنا- يخبر المشتري بأن مدة الشحن تتردد بين مدتين، ومثال ذلك أن يكون الشحن ما بين: 7 إلى 15 يومًا، وأنا آخذ مدة الشحن من المورد الصيني، وقد يتأخر الشحن أكثر من: 15 يوما في بعض الحالات، فما هو الحكم إذًا مع التفصيل؟
بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما الأمر الأول: فقد سبق أن أجبنا عنه في الفتويين: 332287، 129763.
وأما الأمر الثاني: حول عدم انضباط الأجل فهو محل إشكال، وإن كان بعض أهل العلم يرى اغتفار ما كان يسيرًا من ذلك، ولا سيما إن كان لا يفضي إلى نزاع.
قال ابن العربي في القبس في شرح موطأ مالك بن أنس في شرط أن يكون الأجل معلومًا: لا خلاف فيه بين الأمة، وإنما اختلفوا في تفاصيل العلم به، فانفرد مالك دون فقهاء الأمصار بجواز البيع إلى الجذاذ والحصاد؛ لأنه رآه معلومًا، ورآه سائر الفقهاء مجهولًا، إذ تختلف طرقه، ويطول مداه، وتطرأ الأعذار عليه، ورأى مالك جوازه، وقال: إنه يقضي بمعظمه. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني:... وعن أحمد، رواية أخرى، أنه قال: أرجو أن لا يكون به بأس، وبه قال مالك وأبو ثور.. اهـ.
وعلى ذلك؛ فالصورة التي ذكرها السائل من جهالة الأجل تحتمل الصحة، خاصة على مذهب المالكية، وهذه الرواية في مذهب الحنابلة.
والأولى ضرب أجل فيه احتياط، فلو كان هناك احتمال تأخر وصول السلعة أسبوعًا ونحوه، فيكون الأجل ابتداءً إلى شهر وهكذا، مما يعلم وصول السلعة فيه، أو قبله، وقد نص الفقهاء على أن البائع في عقد السلم لو أحضر المسلم فيه قبل وقته، ولا ضرر على المشتري في قبضه أنه يلزمه قبضه، وهذا يدل على جواز التقديم على الوقت المتفق عليه.
جاء في كشاف القناع عن قبض المسلم فيه قبل وقته: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَبْضِهِ -أَيْ: الْمُسْلَمِ فِيهِ- ضَرَرٌ، وَلَا يَتَغَيَّرُ أَيْ: يَخْتَلِفُ قَدِيمُهُ وَحَدِيثُهُ كَالْحَدِيدِ، وَالرَّصَاصِ، وَالزَّيْتِ، وَالْعَسَلِ، وَنَحْوِهَا، لَزِمَهُ قَبْضُهُ، لِأَنَّ الْغَرَضَ حَاصِلٌ، مَعَ زِيَادَةِ تَعْجِيلِ الْمَنْفَعَةِ.. اهــ
وفي حاشية الجمل من كتب الشافعية: كَمُسَلَّمٍ فِيهِ، أُسْلِمَ فِيهِ فِي رَجَبٍ إلَى شَوَّالٍ، ثُمَّ عُجِّلَ فِي رَجَبٍ، فَهَذَا صَحِيحٌ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.. اهـــ.
والله أعلم.