عنوان الفتوى : الفرق بين إعفاء اللحية والصلوات المسنونة من حيث الوجوب
قرأت فتوى تقول: إن إطلاق اللحية فرض، و قد جادلني أخي، وقال لي :إنها ليست فرضًا، وعندما ذكرت له ما قرأته في فتواكم السابقة من أنّ الأمر يفيد الوجوب إلا من قرينة، أجاب بأن الرسول لم يترك صلاة السنن، و لا أحد من الصحابة، فهل صلاة السنة فرض؟ وهل إطلاق اللحية مثل صلاة السنة؟ وأيهما أحق بالإتيان به؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمصيبة الكبرى أن كثيرًا من الناس لا يتورع عن الخوض في الأحكام الشرعية، ولو كان نصيبه من العلم الشرعي قليلًا، بينما لا يتجرأ أحد أن يتكلم في غير شرع الله، إذا لم يكن من اختصاصه، وإن تكلم فيه، سخر الناس منه، وعدوه من أغبى الأغبياء، فياللعجب!!
ولعل أمثال هؤلاء لا يعون خطورة التحريم والتحليل، والكلام في شرع الله تعالى بغير علم، ولا برهان من الله تعالى، وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النحل:116-117}، وقوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ {يونس:59-60}، وقوله: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ {الزمر:60}.
واعتراض أخيك ليس في محله؛ لأنه قياس مع وجود الفارق، فالأمر بإعفاء اللحية لم تدل قرينة على صرفه عن الوجوب، بل إن معه قرائن تؤكد الوجوب، منها: التعليل الوارد في الحديث، وهو أن في ذلك مخالفة للمشركين، ومخالفة المشركين فيما يختصون به، واجبة.
ومنها: تكرير الأمر الوارد في ذلك، وتنوع صيغه؛ مما يدل على تأكيده.
ومنها: فعل النبي صلى الله عليه وسلم، مع الاستمرار، والمداومة.
وأما الصلوات المسنونة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، ورغّب فيها، وحث عليها، إلا أن نصوصًا صريحة، دلت على أنها غير واجبة، منها: حديث الصحيحين في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الإسلام، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالصلوات الخمس المفروضة في اليوم والليلة، فقال له الرجل: هل عليّ غيرها؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، إلا أن تطوع". وهذا صريح في أن الأمر بنوافل الصلوات، لم يكن على سبيل الوجوب.
وقول صاحبك: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك صلاة السنة، ولا تركها أحد من الصحابة، غير صحيح إطلاقًا، فقد تركوها في مواطن كثيرة، كما هو معروف في كتب السنة، والفقه.
والله أعلم.