عنوان الفتوى : هل مقولة: (لا تسألوا الله الرزق فإن الرزق مكتوب) صحيحة؟
هل صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : "لا تسألوا الله الرزق؛ فإن الرزق مكتوب، ولكن اسألوه البركة فيه"؟
الحمد لله.
لم نقف لهذه المقولة على مصدر ولا إسناد، فلا يعلم لها أصل.
كما أن معناها غير سليم، فيبعد أن يقول مثله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك للأمور الآتية:
الأمر الأول:
أن الدعاء بالرزق قد أرشد إليه الوحي.
كقول الله تعالى: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ العنكبوت/17.
وكما في قوله تعالى: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ النساء/32.
وروى الإمام مسلم (2696) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلَامًا أَقُولُهُ؟ قَالَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ لِرَبِّي فَمَا لِي؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي .
وروى مسلم (2697) عن أَبي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ مَنْ أَسْلَمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي.
الأمر الثاني:
الدعاء سبب من أسباب حصول الرزق، كالسعي في طلبه بالعمل، وحقيقة الإيمان بالقضاء والقدر تقتضي السعي في أسباب حصول الرزق، فتركها قدح في العقل والشرع.
قال ابن أبي العز رحمه الله تعالى:
" وقد ظن بعض الناس أن التوكل ينافي الاكتساب وتعاطي الأسباب، وأن الأمور إذا كانت مقدرة فلا حاجة إلى الأسباب! وهذا فاسد، فإن الاكتساب: منه فرض، ومنه مستحب، ومنه مباح، ومنه مكروه، ومنه حرام، كما قد عرف في موضعه. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المتوكلين، يلبس لأْمة الحرب، ويمشي في الأسواق للاكتساب " انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 270).
والله قدر المسببات مع أسبابها، فالله تعالى كما كتب الرزق كتب أسبابه ومنها الدعاء، فيلهم عبده الدعاء والتضرع له في أن يرزقه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه، فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه ألهمه السعي والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب، لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب كموت موروثه، يأتيه به بغير اكتساب.
والسعي سعيان: سعي فيما نصب للرزق؛ كالصناعة والزراعة والتجارة.
وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك؛ فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8 / 540 – 541).
الأمر الثالث:
هذه المقولة يبطل آخرها أولها، فالبركة أيضا مقدرة، فالله تعالى قد قدر من يبارك له في رزقه، فإذا كان الدعاء بالبركة مطلوب، فالدعاء لحصول الرزق مطلوب أيضا، كما أن البركة نوع من أنواع الرزق التي يرزقها الله تعالى عبده.
الأمر الرابع:
مما يبطل نسبة هذه المقولة إلى عمر بن الخطاب، أنه رضي الله عنه قد ورد عنه ما يناقضها، وذلك فيما رواه الطبري في "التفسير" (13 / 564)، وغيره: عن أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ: ( اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ فَأَثْبِتْنِي فِيهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ الذَّنْبَ وَالشِّقْوَةَ، فَامْحُنِي وَأَثْبِتْنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ، وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ ).
وقد سبق دراسة هذا الأثر في جواب السؤال رقم: (304941).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري |
---|
هل مقولة: (لا تسألوا الله الرزق فإن الرزق مكتوب) صحيحة؟ |