عنوان الفتوى : انتفاع الفقير بمال الربا
أنا شاب عمري 24 عامًا، مغترب في بلد أجنبيّ وحدي، وعائلتي تعيش في بلد فيه حرب، وأمورهم صعبة، والبلد الذي أعيش فيه منهار اقتصاديًّا، وطبيعة عملي شاقة جدًّا؛ فأنا أتعرّض لإصابات بليغة، وظهري يؤلمني، وقدمي كذلك، ودائم الإصابة بجروح بسبب صعوبة العمل.
أعمل في اليوم 13 أو 14 ساعة، وإذا استمررت في هذا العمل؛ فسأخسر صحتي، وأتعرّض لإصابات جسدية دائمة ومؤلمة.
وتمر عليّ أيام أجوع فيها جدًّا؛ لأنني لا أملك ثمن الطعام؛ بسبب الوضع المادي الصعب، وضيق الرزق، وقد أستمرّ أيامًا عديدة دون أكل، وعليّ أيضًا أن أساعد عائلتي؛ لأن أمورهم صعبة حيث يعيشون، فهل يجوز أن يصرفوا من مال الربا دون معرفتهم أنه ربا؟ فقد استدنت كثيرًا من المال لسداد إيجار المنزل، وشراء القليل من الطعام، ولكن لا سعة لي لسداده لأصحابه الآن؛ لنفس الأسباب التي ذكرتها مسبقًا، ولم يعد أحد يمنحني المال بعد الآن، فهل يجوز لي أن أنتفع بمال ربوي إلى أن يفرجها الله عليّ، ثم أتصدّق بمقدار المال الذي سأنتفع به عندما يرزقني الله رزقًا حلالًا طيبًا؟ واللهِ، إنني أكره المال الحرام، وأبغضه، ولم أقترب منه في حياتي، لكنني مضطر لأسباب ذكرتها، وأسباب أخرى لم أذكرها.
وواللهِ، إنني أبحث بكل ما أوتيت عن الرزق الحلال، وعن عمل آخر، ولكن لم يوفّقني الله، ولم أجد أيّ عمل غير هذا، فأفيدوني.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دام السائل وأهله فقراء محتاجين؛ فلا حرج عليهم أن يقبلوا من هذا المال الحرام ما يحتاجون إليه؛ فإن مصرفه إلى الفقراء، والمساكين، وهم منهم، قال الغزالي في «إحياء علوم الدين»: له أن يتصدّق على نفسه وعياله -يعني بالمال الحرام الذي بيده- إذا كان فقيرًا: أما عياله وأهله؛ فلا يخفى؛ لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله، بل هم أولى من يتصدّق عليهم، وأما هو، فله أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضًا فقير، ولو تصدّق به على فقير، لجاز، وكذا إذا كان هو الفقير. اهـ.
ونقله النووي في «المجموع» عن الغزالي، ثم قال: وهذا الذي قاله الغزالي في هذا الفرع ذكره آخرون من الأصحاب، وهو كما قالوه، ونقله الغزالي أيضًا عن معاوية بن أبي سفيان، وغيره من السلف، عن أحمد بن حنبل، والحارث المحاسبي، وغيرهما من أهل الورع؛ لأنه لا يجوز إتلاف هذا المال ورميه في البحر، فلم يبقَ إلا صرفه في مصالح المسلمين. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وللفقير أكله -يعني المال الحرام المأخوذ برضا الدافع-، ولوليّ الأمر أن يعطيه أعوانه، وإن كان هو فقير، أخذ كفايته. اهـ.
ونسأل الله تعالى أن يعافيكم في دِينكم، ودنياكم، وأن يكفيكم بحلاله عن حرامه، ويغنيكم بفضله عمن سواه.
والله أعلم.