عنوان الفتوى : الواجب تجاه أصحاب المعاصي من الأهل وغيرهم

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

ابتليت في أهلي، فكانوا كثيري الذنوب والمعاصي إلا من رحم الله منهم، فحرصت على نصحهم كثيرا، وأنا الآن في السنة الرابعة في نصحي إياهم، وكانوا دائما يجتنبون النصيحة بالمزح، أو عندما أنصح والدتي وأشدد عليها في النصيحة كانت تخرج منها بقولها إني أتعبها بهذا الكلام. (والمقصود بهذا الكلام هو أني أذكرهم بعذاب الله كثيرا، وهكذا).
وفي العادة كان المقصود من نصحي أمي وأختي، كانت أمي كثيرة الغيبة، وأختي معها، وزيادة عليها أنها تخرج من البيت ببنطال، وغيره من هذه الملابس الضيقة، وهكذا، ويعلم الله إني تعبت ومللت، وأكاد أجزم أن أهلي يريدون أن يدخلوني جهنم بأفعالهم.
أنا طالب جامعي، وجامعتي في مكان بعيد عن بيتنا، ولذلك في العادة أجلس طوال السنة في بيتنا الثاني القريب من الجامعة، ومن كثرة ضيقي من أهلي وزيادة همي بدأت أزيد محبة في الجلوس وحيدا، والبعد عنهم، وبدأ يزيد اجتنابي لهم، وفرحي عند مجيء الدراسة؛ لكي أبتعد عنهم، وابتليت مرة أخرى في أن أختي دخلت نفس جامعتي، وبدأت تسكن معي، وزاد همي وحزني.
عذرا على الإطالة، ولكن أحببت أن أشرح موقفي لكي يتم فهمي. الشاهد من القول أني أعلم حرص الإسلام على الحث على صلة الرحم، وأنه لا يجوز هجر الأهل، ولو كانوا كثيري المعاصي، ولكني أتضايق من هذه النقطة، وما أنا إلا عبد ضعيف، فحاشا لله أن أنكر ما جاء في القرآن والسنة، ولكن كيف يرضيني أن أحسن إلى ناس رغم نصحي لهم تجاهلوني، وكلما حاولت أن أنصح إخوتي نهاني والداي، وقالا: اتركهم بحالهم. ووصل بي الحال أن جزمت أني عندما أتخرج -بإذن الله- سأسافر، أو سآخذ سكنا بعيدا عنهم؛ لأني كلما زاد جلوسي معهم اعتدت على المنكرات، وأخاف أن أرجع بعد أن هداني الله إلى الفسوق -والعياذ بالله-. أفيدوني جزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يجمعك وأهلك على الهدى والتقى، وأن يسلك بكم سبيل المفلحين.

واعلم أن المسلم كما أنه ينظر إلى المخالفين بعين الشرع فيأمرهم وينهاهم، إلا أنه كذلك مأمور بالنظر إليهم بعين القدر؛ فيرحمهم، ويعتذر لهم، ويترفق بهم.

وأما ازدراء العصاة واحتقارهم، والترفع عليهم، فهذا قد ينبئ عن أمراض خطيرة من عجب، وكبر، ورؤية نفس، وتَأَلٍّ على الله، ما قد يكون أشد خطرا من الذنوب الظاهرة.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته، لما فيه من صولة الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء به، ولعل كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذلة والخضوع، والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى، والكبر، والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب أنفع له، وخير من صولة طاعتك، وتكثرك بها، والاعتداد بها، والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله! وما أقرب هذا المدل من مقت الله، فذنب تذل به لديه، أحب إليه من طاعة تدل بها عليه، وإنك أن تبيت نائما، وتصبح نادما، خير من أن تبيت قائما، وتصبح معجبا، فإن المعجب لا يصعد له عمل .اهـ.
وعليه نوصيك بالآتي:

1- الرحمة بأهلك، والشفقة عليهم، والترفق بهم.

2- الابتعاد عن القسوة، والغلظة، والفظاظة معهم.

3- الصبر، والأناة، وعدم الاستعجال على ظهور ثمرة النصح.

4- الحذر من الانتصار للنفس والحميّة لها عند عدم الاستجابة لنصيحتها: فهذه آفة قادحة في الإخلاص، ينبغي لك الحذر منها أشد الحذر.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: يتعين الرفقُ في الإنكار، قال سفيان الثوري: لا يأمرُ بالمعروف، ويَنهى عن المنكرِ إلاّ من كان فيه خصالٌ ثلاثٌ: رفيقٌ بما يأمرُ، رفيقٌ بما ينهى، عدلٌ بما يأمر، عدلٌ بما ينهى، عالمٌ بما يأمر، عالم بما ينهى. وقال أحمد: النّاسُ محتاجون إلى مداراة، ورفق الأمر بالمعروف بلا غِلظةٍ، إلا رجل معلن بالفسق، فلا حُرمَةَ له، قال: وكان أصحابُ ابن مسعود إذا مرُّوا بقومٍ يرون منهم ما يكرهونَ، يقولون: مهلاً رحمكم الله، مهلاً رحمكم الله، وقال أحمد: يأمر بالرِّفقِ والخضوع، فإن أسمعوه ما يكره، لا يغضب، فيكون يريدُ ينتصرُ لنفسه .اهـ.

5- تخير الأوقات والأحوال المناسبة لإسداء النصيحة.

6- انتقاء ألطف العبارات وأجملها وأرقها في النصيحة، لا سيما مع والدتك، وإذا كان الله قد أمر بحسن صحبة الوالدين المشركين، وهما يجاهدان ابنهما على الشرك والكفر، كما قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا{لقمان:15}، فكيف يفكر المسلم في هجر والدته المسلمة لوقوعها في بعض المخالفات؟!

7- التودد إليهم بالهدايا وغيرها من أنواع الإكرام التي تكون سببا في زيادة محبتهم لك، وقبولهم لنصحك.

وانظر في آداب النصيحة الفتويين التاليتين: 13288، 114049.

وقد سبق لنا بيان بعض وسائل تقوية الإيمان، وعوامل الثبات، والاستقامة، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 12928، 76210، 10800.

ويمكنك التواصل مع قسم الاستشارات بالموقع لمزيد الفائدة.

https://www.islamweb.net/ar/consult/

والله أعلم.