عنوان الفتوى : استحباب الأدعية الجامعة لخير الدنيا والآخرة
عندي سؤال حول حكم السفر إلى البلاد الغربية الأوروبية. فأنا قد سافرت إلى بلد غربي أوروبي -ألمانيا-، ثم عدت إلى بلدي، لكن تأتيني أفكار وخواطر بأن أطلب من أهلي العودة إلى هناك، مع غلبة الظن برفضهم، حيث هناك بشكل عام الظروف المعيشية والاقتصادية أفضل بكثير، وهناك تكون قدرتي على إظهار الشعائر الدينية أفضل.
فمثلا: الوضوء هناك في ألمانيا، الماء الساخن متوفر 24 ساعة، مما يساعد على الوضوء بسهولة ويسر، والماء لا ينقطع، عكس بلدي تماما، مشقة شديدة في الشتاء البارد والصقيع، والماء ينقطع، ومضايقات من أهلي، مع أني مصاب بسلس الريح والقولون.
وكذلك الاغتسال في ألمانيا، فالماء الساخن متوفر 24 ساعة للغسل الواجب والمسنون، عكس بلدي تماما، حيث المشقة الشديدة جدا لكي أتحمم، أو أغتسل، مع مضايقات شديدة من أهلي.
بشكل عام: الظروف من كافة النواحي في ألمانيا أفضل، تعلمت الصلاة والوضوء، وعندي معرفة بالشريعة الإسلامية من طريق المطالعة والتصفح.
وبالنسبة لموضوع الاختلاط والفتن؛ فالفتن في بلدي كثيرة جدا جدا، وشياطين الإنس في بلدي يضايقونني بشدة؛ لأنني ألبس بناطيل لا تتجاوز الكعبين، ويضايقونني عندما يلاحظون التزامي، واعتداءات متكررة من الناس في بلدي عليّ. وظروف العمل سيئة، وليس بالسهولة إيجاد عمل.
فما حكم الشرع في أنني أدعو -وخاصة في المسجد- بهداية قلب أهلي، حتى يوافقوا على سفري وعودتي إلى هناك، وأعيش وفق الشرع الإسلامي. هناك طبعا عندما سافرت في المرة الأولى عدت، ثم سافرت ثم عدت. فهل يجوز لي السفر إلى هناك؟ وما حكم ذلك.
جزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبداية ننبه السائل على أن وجود الماء الساخن، أو غير ذلك مما ييسر أمر الطهارة، ليس له علاقة بمسألة القدرة على إظهار شعائر الدين، وإنما له علاقة بتيسير بعض العبادات. وأما القدرة على إظهار الشعائر؛ فمعناها أن يؤديها المسلم علانية دون خوف، فيظهر إسلامه، وشعائر دينه كلها، دون أن يؤذى بسببها.
فإن حصلت هذه القدرة، ولم يخش المسلم على نفسه، ولا على من يقع تحت مسئوليته من الفتنة في الدين، جاز له أن يقيم في بلاد غير المسلمين. فإن كان الحال كذلك، فلا حرج في الطلب من الأهل أن يذهبوا إلى هناك.
وانظر للفائدة الفتويين: 406405، 408892.
وإذا جاز السفر؛ فلا يحرم الدعاء بموافقة الأهل عليه! وخير من ذلك الدعاء بتيسير الأفضل، وأن يختار الله لكم ما فيه عافيتكم في دينكم ودنياكم. فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك. رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الألباني.
قال العظيم آبادي في عون المعبود: "الجوامع من الدعاء" أي الجامعة لخير الدنيا والآخرة، وهي ما كان لفظه قليلا ومعناه كثيرا، كما في قوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} ومثل الدعاء بالعافية في الدنيا والآخرة.
وقال علي القاري: وهي التي تجمع الأغراض الصالحة، أو تجمع الثناء على الله تعالى، وآداب المسألة ... "ويدع ما سوى ذلك": أي مما لا يكون جامعا بأن يكون خالصا بطلب أمور جزئية: كارزقني زوجة حسنة، فإن الأولى والأحرى منه ارزقني الراحة في الدنيا والآخرة؛ فإنه يعمها وغيرها. اهـ.
ومن هذه الجمل المستحبة، ما رواه ابن عمر قال: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي، وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني، ودنياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، وصححه الألباني.
والله أعلم.