عنوان الفتوى : أحكام تارك الصلاة في حياته وبعد موته
إذا كان الزوج يقلد من يرى كفر من ترك الصلاة، ولو صلاة واحدة. وكانت الزوجة تقلد من لا يُكفّر بذلك.
فهل إذا تهاونت الزوجة وخرج وقت الصلاة، وصلتها بعد خروج الوقت بغير عذر تكون كافرة بالنسبة لزوجها؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فتقليد من يرى ذلك إنما يترتب عليه مزيد من حرص الزوج على نصح زوجته، وتعاهد أمر صلاتها، لا أن يُرتّب على ذلك أحكام الردة! وإلا فلا نعلم أحدا من أئمة الإسلام ممن يرجح كفر تارك الصلاة، أجرى أحكام الردة -من فسخ النكاح، ومنع التوارث، وترك التغسيل والتكفين وصلاة الجنازة والدفن في غير مقابر المسلمين- على تارك الصلاة، فضلا عمن أخر صلاة عن وقتها!
ولذلك قال القاضي عياض في «إكمال المعلم» بعد ذكر خلاف أهل العلم في المسألة: والصحيح أنه عاص غير كافر؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّه لا يَغْفِر أَن يُشْرَكَ بِهِ ويغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} ...
واحتجوا بإجماع الصدر الأول على موارثة من لا يصلي، ودفنهم مع المسلمين. اهـ.
وقال النووي في «المجموع»: لم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه، ولو كان كافرا لم يغفر له، لم يرث، ولم يورث. اهـ.
وقال ابن قدامة في «المغني» بعد أن ذكر طرفا من أدلة الجمهور على عدم كفر تارك الصلاة تكاسلا: ولأن ذلك إجماع المسلمين. فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فُرِّقَ بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما؛ مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام. اهـ.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: عن الصلاة على الميت الذي كان لا يصلي هل لأحد فيها أجر؟ أم لا؟ ..
فأجاب: أما من كان مظهرا للإسلام، فإنه تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة: من المناكحة والموارثة، وتغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ونحو ذلك؛ لكن من علم منه النفاق والزندقة فإنه لا يجوز لمن علم ذلك منه الصلاة عليه، وإن كان مظهرا للإسلام ... اهـ.
وسئل أيضا: عن رجل يصلي وقتا ويترك الصلاة كثيرا، أو لا يصلي، هل يصلَى عليه؟
فأجاب: مثل هذا ما زال المسلمون يصلون عليه! بل المنافقون الذين يكتمون النفاق يصلي المسلمون عليهم، ويغسلون، وتجري عليهم أحكام الإسلام، كما كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. اهـ.
وقال في موضع آخر: كثير من الناس؛ بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركوها بالجملة، بل يصلون أحيانا ويدعون أحيانا، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق.
وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام؛ فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض -كابن أبي وأمثاله من المنافقين- فلأن تجري على هؤلاء أولى وأحرى.
وبيان هذا الموضع مما يزيل الشبهة: فإن كثيرا من الفقهاء يظن أن من قيل: هو كافر، فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة؛ فلا يرث ولا يورث ولا يناكح، حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع!
وليس الأمر كذلك؛ فإنه قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة أصناف: مؤمن، وكافر مظهر للكفر، ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر. وكان في المنافقين من يعلمه الناس بعلامات ودلالات، بل من لا يشكون في نفاقه، ومن نزل القرآن ببيان نفاقه -كابن أبي وأمثاله- ومع هذا فلما مات هؤلاء ورثهم ورثتهم المسلمون، وكان إذا مات لهم ميت آتوهم ميراثه، وكانت تعصم دماؤهم حتى تقوم السنة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته. اهـ.
وذكر محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» أنه قيل لابن المبارك [وهو ممن يرى كفر تارك الصلاة]: أيتوارثان إن مات أو إن طلقها يقع طلاقه عليها؟ فقال: "أما في القياس فلا طلاق ولا ميراث، ولكن أجبن". قال إسحاق: وهكذا جل مذهبه في الأحكام: الاحتياط إذا انقطع الأصل. اهـ.
والله أعلم.