عنوان الفتوى : هل المنّ بغير المال يبطل العمل؟
في قوله ﷻ: يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تُبطِلوا صَدَقاتِكُم بِالمَنِّ وَالأَذى في هذه الآية عُيِّن أن المنّة في الصدقة تُبطل الصدقة، ولكن السؤال هل المنّة بالمواقف أو المشاعر وأي شيء -غير المال والصدقة- كقولي: \\\"لقد واسيتك وأحسنت التخفيف عنك في ما مضى وأنت لم تُحسن إليّ الآن.." يُبطل العمل كالمنّة بالصدقة؟ وما الدليل؟ يعني من ناحية بطلان العمل -في غير الصدقات-، هل يبطل كبطلان الصدقة بمجرّد المنّة؟
الحمد لله.
أولا:
المنّ: ذكر النعمة والإحسان ليراعيَه المحسَن إليه للذاكر، ويكون صريحاً، ويكون بالتعريض . انظر: التحرير والتنوير" (26/ 269).
والمنّ بين الناس مذموم، سواء كان في الصدقة أو في غيرها، فكما ورد ذم المن بالصدقة، ورد ذمه في أمور أخرى لا علاقة لها بالمال والصدقة، كما في قوله تعالى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات: 17].
وجاء ذم المنّ والوعيد على من فعله في أحاديث عدة، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمَنَّانُ الَّذِي لا يُعْطِي شَيْئًا إِلاَّ مَنَّهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْفَاجِرِ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ رواه الإمام مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ خَمْسٍ : مُدْمِنُ خَمْرٍ ، وَلَا مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ ، وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ ، وَلَا كَاهِنٌ ، وَلَا مَنَّانٌ أحمد (10895) بسند صحيح.
وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنّة خبّ، ولا منّان، ولا بخيل رواه الترمذي (1963)، وقال: هذا حديث حسن غريب.
وعليه؛ فإنّ المنّ بالمواقف والمشاعر يدخل في المنّ المذموم.
قال القرطبيّ رحمه الله: "المنّ: ذكر النّعمة على معنى التّعديد لها، والتّقريع بها، مثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه" "تفسير القرطبي" (3/ 308).
ثانياً:
هل المنّ بغير الصدقة يبطل العمل الذي منّ به عليه؟
المنّ من الكبائر، لورود الوعيد الشديد واللعن على من فعله.
قال القرطبي: " والمنّ من الكبائر" "تفسير القرطبي" (3/ 308).
وقال ابن مفلح رحمه الله: "ويحرم المن بما أعطى، بل هو كبيرة على نص أحمد" انتهى من "الآداب الشرعية" (1/ 318).
وإذا كان المنّ يبطل الصدقة مع عظم أجرها وفضلها، فإنه يبطل ما ورد عليه مما هو دون الصدقة من المنّ بالمواقف ونحوها؛ لأنه من الكبائر، سواء كان في الصدقة أو في غيرها.
ونظير ذلك الرياء الذي مثّل الله به إبطال المنّ للصدقة كما يبطلها الرياء، في قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...الآية [البقرة: 264]؛ فإنّ الرياء كما يبطل الصدقة يبطل غيرها بالاتفاق.
ثالثا:
من المتقرر عند أهل السنة والجماعة أنّ الكبائر لا تحبط كل الأعمال، ولكنها قد تحبط ما ترد عليه من العمل بخصوصه عند أكثر أهل السنة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأنّ الكبيرة الواحدة لا تحبط جميع الحسنات؛ ولكن قد يحبط ما يقابلها عند أكثر أهل السنة» «مجموع الفتاوى" (10/ 322).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "محبطات الأعمال تنقسم إلى قسمين: قسمٌ عام، وقسمٌ خاص يبطل كل عملٍ بعينه.
أما القسم العام المبطل لجميع الأعمال فهو الردة، فإذا ارتد الإنسان والعياذ بالله عن دين الله، ومات على الكفر، حبط جميع عمله؛ لقوله تعالى: ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
أما المبطلات الخاصة: فهي تختص في كل عملٍ بحسبه...". انتهى من "فتاوى نور على الدرب للعثيمين" (4/ 2 بترقيم الشاملة).
وبناء على ما سبق يتبين أنّ المنّ في أي أمر قد يبطل ذلك الأمر، ويذهب بحسناته كلها أو بعضها .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |