عنوان الفتوى : أسباب تأخر زواج الفتاة وتعسر أمور الحياة
الرسالة فيها أكثر من مشكلة.
أنا دائما سرحانة في لا شيء، ومتعبة، وغير مركزة، ومترددة في كل شيء.
تقدم لي خطاب كثر، لكن لم يتم الزواج. تعبت من كثرة مجيء الخطاب لي، وجلوسي معهم، ثم لا يتم الزواج.
أدعو كثيرا، لكن ربنا لم يستجب لي بعد.
تعبت، أتمنى أن يأتيني الرجل الذي سيكون من نصيبي، مباشرة، من غير أن أقعد كل حين مع أحد ولا نتفق، لدرجة أنني وأهلي مللنا.
ماذا أفعل؟
تعبت ومللت. كلمنا رجلا، المفروض أنه شيخ، وشككت من كذا موقف أنه لا يعالج بالقرآن، وأنه مخاوٍ، فلم أكمل معه؛ لأني شرطت أن يكون بالقرآن. قال لي إن هذا حسد ومس، بعد ذلك لم أتعالج؛ لأني لم أجد شيخا موثوقا.
أنا لا أعرف ماذا أفعل في أي شيء في حياتي؟ بالكاد أعمل، بسبب الكسل والتعب.
لا يوجد زواج، في التعليم أنجح بالكاد، حتى عندما آتي لنفسي بملابس تفسد.
الناس ينظرون على لباسي الجميل، وشكلي، كل شيء فسد.
تعبت، تعبت من أني أدعو وأبكي لكن ربنا لم يُرد بعد، دائما أكون متفائلة، وعندي أمل في ربي بالخير.
ادعوا لي أنتم، لعل الله يسمع دعاءكم ويستجيب.
دلوني على حل، أدعو دائما دعاء سيدنا موسى: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير.
ودائما أصلي على سيدنا النبي صلى الله عليه، وعلى آله، وسلم، لكن لا أستطيع أن أواظب على الصلاة بسب الكسل.
ودائما عندما أصلي أحس بنزل بول مني، فأشك في صلاتي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتوب عليك، ويشرح صدرك، ويفرج كربك، ويهديك لأرشد أمرك، ويرزقك زوجا صالحا يعينك على طاعة الله تعالى.
واعلمي أنّ تأخر زواجك وغيره مما يحصل لك؛ إنما هو من أقدار الله -تعالى- التي يجريها على العبد بحكمته، ورحمته الواسعة. فهو -سبحانه وتعالى- أعلم بمصالح العبد من نفسه، وأرحم به من أبيه وأمه.
ولا يمكننا الجزم بأن ما أصابك إنما هو بسبب السحر والحسد والعين، ولكن المحافظة على الأذكار المسنونة والرقى المشروعة؛ كافية للوقاية منها وعلاجها بإذن الله -تعالى- إن وجدت، وراجعي الفتويين: 2244، 10981
واعلمي أنّه لا ينبغي التسرع والمبالغة في نسبة ما يعرض للإنسان من المشكلات إلى تأثير السحر والحسد ونحوه، وإنما ينبغي النظر في الأسباب الظاهرة للمشكلات، والسعي في علاجها بالوسائل المشروعة، وعدم الاستسلام للشكوك والأوهام.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ..فإن كثيراً من الناس إذا أحس بنفسه أدنى مرض، قال هذه عين، هذا سحر وما أشبه ذلك. فتتولد هذه الأوهام حتى تكون عقداً في نفسه، ثم تكون مرضاً حقيقياً. وما أكثر ما يمرض الإنسان بسبب أوهام تتولد في قلبه حتى تتطور وتكون حقيقة. فإذا غفل الإنسان عن الشيء وأعرض عنه وتلهى عنه، فإنه يزول بإذن الله. انتهى من فتاوى نور على الدرب.
وعلى العموم، فإنّه إذا نزل بالعبد بلاء فعليه أن يتهم نفسه، ويجدد التوبة إلى الله، فإن الذنوب والمعاصي سبب الشر والبلاء. ففي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ... يَا عبادي، إِنَّمَا هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا. فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: فَالْمُؤْمِنُ إِذَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا بَلَاءٌ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ بِاللَّوْمِ، وَدَعَاهُ ذَلِكَ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ. انتهى.
ومن العجب أن تغفل السائلة عن خطر تهاونها في الصلاة المفروضة، ولا تنتبه لكون ذلك ذنبا عظيما وإثما مبينا، وسببا ظاهرا لفساد القلب، واضطراب النفس، والحرمان من السكينة والطمأنينة. فالصلاة عمود الإسلام، وهي أعظم أمور الدين بعد الإيمان، ولا سهم في الإسلام لمن ضيعها، والمحافظة عليها مفتاح كل خير، قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {البقرة:45}.
قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها.
فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه، معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يصبره الله.
وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور. انتهى.
ولمعرفة بعض ما يعين على المحافظة على الصلاة، راجعي الفتوى: 3830
فبادري بالتوبة إلى الله، والحرص على المحافظة على الصلاة، ولا تلتفتي للوساوس والشكوك التي تأتيك عند الصلاة، فلا تبطل الصلاة بهذه الشكوك، وراجعي الفتوى: 379831.
وأكثري من ذكر الله ودعائه، بحضور قلب، مع إحسان الظن بالله، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. رواه الترمذي.
مع الحذر من استعجال نتيجة الدعاء، وترك الدعاء يأسا من الإجابة. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. متفق عليه.
واعلمي أنّ استجابة الدعاء لا تنحصر في تحقق المطلوب فقط، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاث: إِمَّا أنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أنْ يَصْرِف عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أكْثَرُ. رواه أحمد.
والله أعلم.