عنوان الفتوى : حساب العباد على أفعالهم الواقعة منهم بمحض اختيارهم
السؤال
أخي الكريم: أعلم أن الله يحاسبنا يوم القيامة؛ لأنه ميزنا بالإرادة، فأصبحنا نختار الخير أو الشر، ونحاسب وفقاً لذلك.
ولكن سؤالي هنا: كيف نحاسب إذن بمحض الإرادة التي هي في الأساس من خلق الله، فأنت إن أعطيتني سيارة لا تستطيع السير إلا في الطرق العادية، سأسير بها فقط في الطرق العادية. وإن أعطيتني سيارة بها إمكانيات أعلى تستطيع صعود الجبال، أو السير في المياه؛ سأصعد الجبال وأشق المياه، ولله طبعاً المثل الأعلى. فكيف إذن يحاسب الله كل مذنب أو ملحد، وهو من خلق له الإرادة لاختيار ما يعتنقه من دين أو معتقد؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله عز وجل لا يظلم الناس شيئا، وقد خلقهم وخلق لهم الإرادة والمشيئة التي بها يكتسبون أفعالهم، وخلق لهم القدرة التي بها يفعلون ما أرادوا، ومكنهم من اختيار أي الطريقين: طريق الخير، أو طريق الشر.
فالمثال الصحيح لذلك هو مثال من أعطى آخر سيارة فيها جميع المواصفات، وأمره أن يسير بها في الطرق الصالحة، وهي مهيأة لذلك صالحة له. ولكنه بمحض اختياره وإرادته، سار بها في غير تلك الطرق حتى أتلفها، فهو ملوم ولا شك.
والله عز وجل قد قطع حجج عباده، فأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، فلم يبق لأحد عليه سبحانه حجة.
فالعباد إذاً مؤاخذون على فعلهم الواقع بمشيئتهم واختيارهم، والذي لم يجبرهم أحد عليه، وأهل النار حين يدخلون النار فإنهم يعلمون أن الله لم يظلمهم؛ كما قال تعالى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الزمر:75}.
قال ابن القيم: فحذف فاعل القول؛ لأنه غير معين، بل كل أحد يحمده على ذلك الحكم الذي حكم فيه. فيحمده أهل السموات وأهل الأرض، والأبرار والفجار، والإنس والجن حتى أهل النار. قال الحسن أو غيره: لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم، ما وجدوا عليه سبيلا. انتهى.
فعلى العبد أن يعمل بطاعة الله يرجو ثواب الله، ويحمد الله على ما منَّ به من ذلك. وأن يترك معصية الله يخشى عقاب الله، وأنه إذا ألمَّ بمعصية عاد باللائمة على نفسه، ولم يتهم ربه ولا قدره؛ فإنه إنما أتي من قبل نفسه الأمارة بالسوء، وأن يعلم أن الله تعالى حكم عدل، وأنه لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
والله أعلم.