عنوان الفتوى : سبب تسمية أهل الرأي بهذا الاسم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 1 ـ امرأة حامل في الشهر الثامن، طلّقها زوجها طلاقاً رجعيّا، وبعد شهر من الطّلاق مات الزّوج. ماهي العدّة التي تعتدّها الزّوجة؟ 2 ـ لماذا اختصّ أهل العراق بما يسمّى بمدرسة الرّأي، وأهل الحجاز بمدرسة الحديث؟ وتفضّلوا سيدي الشيخ بقبول فائق الاحترام والتقدير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتعتد بوضع حملها لا بعدة الوفاة، وانظر الفتوى رقم: 5267 فقد ذكرنا فيها دليل ذلك، وعلى هذا الحكم الذي ذكرنا اتفق الفقهاء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.
وذهب علي بن أبي طالب وابن عباس في إحدى الروايتين عنه وابن إبي ليلى وسحنون إلى أن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين، وهذا القول بعيد عن الصواب، وقد نقل اتفاق الفقهاء بعد ذلك، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: وقد كان بين السلف نزاع في المتوفى عنها أنها تتربص أبعد الأجلين، ثم حصل الاتفاق على انقضائها بوضع الحمل.
ونقل الإمام ابن المنذر الإجماع على ذلك.
وأما سؤالك لماذا سمي أهل الرأي بذلك فسبب ذلكهو أنهم اشتهروا بإعمال القياس أكثر من غيرهم، واعلم أن الرأي قد عمل به كل الأئمة، وليس العمل بالرأي عيباً، فهذا أعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل يقول عند سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم له كيف تقضي إذا عرض لك قضاء، قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله. رواه أبو داود والترمذي، قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير: رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل، وقال البخاري مرسل، وقال ابن حزم لا يصح، وقال عبد الحق لا يسند ولا يوجد من وجه صحيح. ا.هـ
وذهب الخطيب البغدادي وابن القيم إلى تقوية الحديث، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: فهذا حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك، لأنه يدل على شهرة الحديث، وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم، وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي، كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى؟ ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح، بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم، لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك، كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث؟ وقد قال بعض أئمة الحديث: إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به، قال أبو بكر الخطيب: وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وهذا إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة، على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم، كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وصية لوارث، وقوله في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته، وقوله: إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحلفا وترادا البيع، وقوله: الدية على العاقلة وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد، ولكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعاً غنوا عن طلب الإسناد له، انتهى كلامه.
والرأي المذموم هو الرأي الصادر عن هوى، وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: الفهم في ما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة، اعرف الأشباه والأمثال ثم قس الأمور عند ذلك، فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق. رواه الدارقطني والبيهقي.
إلا أن الحنفية توسعوا في الرأي والقياس وذلك لأمور:
منها: تشددهم في التثبت حيث اشترطوا شروطاً لقبول الحديث لم يشترطها غيرهم من فقه الراوي عند التعارض وغير ذلك، فقلت الأحاديث بأيديهم فتوجهوا إلى قياس ما نزل بهم من النوازل على ما ثبت عندهم من نصوص وفق الشروط التي وضعوها واشترطوها.
ومنها: أنهم لا يعملون بالحديث إذا خالف الأصول الشرعية التي ثبتت.
ومنها: أنهم لا يعملون بخبر الآحاد في ما تعم به البلوى إلى غير ذلك مما هو معروف.
والله أعلم.