عنوان الفتوى : حكم مخالفة التعليمات الطبية المتعلقة بوباء كورونا
هل من يرفض أن يلبس كمامة في ظل انتشار مرض كورونا، تكاسلا وتهاونا. ويذهب للمسجد بدونها، يعتبر آثما؛ لأنه عرض نفسه أو غيره للخطر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يضر بنفسه، ولا أن يضر بغيره، ومن جملة ذلك: الضرر الحاصل، أو المتوقع بسبب مخالفة التعليمات الطبية المتعلقة بمثل هذا الوباء.
وقد أفتت الجهات والشخصيات الاعتبارية، بوجوب اتباع التعليمات الطبية من الجهات المختصة، وحرمة تعمد مخالفتها.
ومن ذلك توصيات الندوة الطبية الفقهية الثانية، التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي، فقد جاء فيها:
- يجب الالتزام بقرارات الدول والحكومات بما يسمى بالتباعد الاجتماعي، ونحو ذلك مما من شأنه المساعدة على تطويق الفيروس ومنع انتشاره؛ لأن تصرّفات الإمام منوطة بالمصلحة، عملاً بالقاعدة الشرعية التي تنص على أن: (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة) ...
- يتعين الأخذ بأحكام النظافة الشخصية العامة، والاحتياطات الخاصة بهذه الجائحة ومنها: غسل اليدين بالماء والصابون، ولبس الكمامات والقفازات.
والالتزام بالتوجيهات الصحية الصادرة من الجهات المسؤولة، واجب شرعاً للتوقي من الفيروس. اهـ.
وكذلك أفتى مركز الأزهر العالمي: بحرمة مخالفة الإرشادات الطِّبيَّة، والتَّعليمات الوقائية التي تصدر عن المَسؤولين والأطبَّاء؛ لمَا في ذلك من تعريضِ النَّفسِ والغير لمواطنِ الضَّرر والهلاك، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ»، قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ يُطِيقُ» [أخرجه الترمذي].
فقد جعل الشَّرع الشَّريف حفظ النَّفس مقصدًا من أعلى وأولى مقاصده؛ فقال الحقُّ سبحانه في إحياء النَّفس: {..وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا..} [المائدة:113]. كما حرَّم إهدارها، وتعريضها لمواطن الهَلَكة؛ فقال سُبحانه: {..وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195].
ولا يخفى على أحدٍ الآن خطورة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وسرعة انتشاره، وحجم الضَّرر المترتّب على استخفاف النّاس به، والتَّساهل في إجراءات الوقاية منه. فضرر الفيروس الذي قد يصل إلى الوفاة -لا قدَّر الله- لن يقتصر على المُتساهِل في إجراءات الوقاية منه فحسب؛ بل قد يتعدى إلى غيره ممن يُساكنهم أو يُخالطهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ؛ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» [أخرجه الحاكم]. اهـ.
وجاء في البيان الختامي للدورة الطارئة الثلاثين للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: من وظائف الدين في التصدي لوباء "كورونا" أيضًا: حثّ المؤمنين على أن يلتزموا بالتعليمات الصحية التي تصدرها الجهات الرسميّة، حفاظًا على أنفسهم وعلى نفوس الآخرين؛ وهو ما جاء الدين يدعو إليه بترسيخ مفهوم المسؤولية الجماعية، الذي أكّده حديث السفينة؛ وهو قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا " أخرجه البخاري. وكذلك الشعور بالواجب في درء هذا الوباء لكل من يملك قدرة على ذلك بمختلف الوسائل، بحسب قدرات كل أحد. اهـ.
وعليه؛ فلا يجوز الامتناع عن لبس الكمامة تهاونا وتكاسلا، ويجب الالتزام بتلك التعليمات التي تهدف إلى الحفاظ على السلامة وتجنب الضرر.
والله أعلم.