عنوان الفتوى : ما حكم الاعتماد على قول غيره في عدد أشواط الطواف أو السعي؟
ذهبت للعمرة، وقبل الذهاب لم يكن لدي الوقت للإفطار، فشعرت بالإرهاق الشديد وقت السعي، وقل التركيز، فلم أنتبه للوحات لأتأكد في أي شوط وصلت، قبل أن انتهي كنت أظن أنه لا زال علي شوطان، وأغلب الظن أنه لا زال علي شوط، أو انتهيت. ولكن التقيت بأهلي، وقالوا: من المستحيل أنه لا زال لديك شوطان؛ فقد سبقتهم في السعي، وهم انتهوا قبلي، فلم أكمل اعتماداً على شهادتهم، ولم اثق في ذاكرتي. فهل الشخص معذور إذا اعتمد على شهادة من حوله في عدد الأشواط؟
الحمد لله.
أولا:
من شك في عدد أشواط الطواف أو السعي، فله حالان:
1-أن يكون الشك مستوي الطرفين، لا ترجيح معه لأحدهما، فيبنى على اليقين وهو الأقل.
2-أن يترجح له أحد الأمرين، الأقل أو الأكثر، فله أن يعمل بالراجح؛ بناء على جواز العمل بغلبة الظن في العبادات، وهو قول بعض الفقهاء.
روى عبد الرزاق في " المصنف " (9810) والفاكهي في " أخبار مكة " (603) عن ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ : شَكَكْتُ فِي الطَّوَافِ : اثَنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ؟ قَالَ : " أَوْفِ عَلَى أَحْرَزِ ذَلِكَ ".
قُلْتُ: فَطُفْتُ أَنَا وَرَجُلٌ وَاخْتَلَفْنَا ، قَالَ : " ذَيْنهْ "، قُلْتُ: أَفَعَلَى أَحْرَزِ ذَلِكَ، أَمْ عَلَى أَقَلِّ الَّذِي فِي أَيْدِينَا ؟ قَالَ: " بَلْ عَلَى أَحْرَزِ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِكُمَا " .
ومعنى : "أحرز ذلك" : أقواه في ظنك وتخمينك.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" فإن شك في أثناء الطواف، فهل يبني على اليقين ، أو على غلبة الظن ؟
الجواب : في ذلك خلاف ، كالخلاف في من شك في عدد ركعات الصلاة ، فمن العلماء من قال : يبني على غلبة الظن ، ومنهم من قال : يبني على اليقين .
مثال ذلك : في أثناء الطواف شك هل طاف خمسة أشواط ، أو ستة أشواط ، فإن كان الشك متساوي الأطراف جعلها خمسة ؛ لأنه المتيقن ، وإن ترجح أنها خمسة جعلها خمسة ، وإن ترجح أنها ستة ، فمن العلماء من يقول : يعمل بذلك ويجعلها ستة ، ومنهم من قال : يبني على اليقين ويجعلها خمسة .
والصحيح أنه يعمل بغلبة الظن كالصلاة ، وعلى هذا فيجعلها ستة ، ويأتي بالسابع .
أما بعد الفراغ من الطواف ، والانصراف عن مكان الطواف ، فإن الشك لا يؤثر، ولا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر " انتهى من "الشرح الممتع" (7 /249) .
وعليه فلو شك الإنسان هل سعى خمسة أشواط أو سبعة، ولم يكن لديه ترجيح لأحد الاحتمالين، بنى اليقين وهو خمسة، وأتى بشوطين.
وإن ترجح أحد الاحتمالين، فغلب على ظنه أنه سعى سبعة أشواط، فلا حرج عليك في العمل بذلك.
وقول من حوله قد يفيد ترجيح أحد الاحتمالين في نفسه، فإن ترجح أحدهما بذلك، عمل به.
ثانيا:
على القول بوجوب العمل باليقين، فقد اختلف القائلون بذلك في الاعتماد على قول الغير:
1-فمنهم من جوز الاعتماد على قول عدلين، وإليه ذهب الحنابلة.
قال في "كشاف القناع" (2/ 483): "
(وإن شك في عدد الأشواط: أخذ باليقين)، ليخرج من العهدة بيقين.
(ويُقبل قول عدلين) في عدد الأشواط كعدد الركعات في الصلاة" انتهى.
وقال الشيخ عبد الله الجاسر في "مفيد الأنام" وهو حنبلي (1/ 295): " وإن شك في عدد الأشواط أخذ باليقين، ليخرج من العهدة بيقين، ويقبل قول عدلين في عدد الأشواط، كعدد الركعات في الصلاة".
2-ومنهم من جوز الاعتماد على قول واحد، وهو قول عطاء والفضيل بن عياض ومال إليه مالك، وجزم به ابن قدامة إن كان الواحد ثقة عدلا.
قال النووي في "المجموع" (8/ 22):
" قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن من شك في عد طوافه بنى على اليقين.
قال: ولو اختلف الطائفان في عدد الطواف، قال عطاء ابن أبي رباح والفضيل بن عياض: يأخذ بقول صاحبه الذي لا يشك، وقال مالك: أرجو أن يكون فيه سعة.
قال: [أما] الشافعي: فمذهبه أنه لا يجزئه إلا علم نفسه، لا يقبل قول غيره.
قال ابن المنذر: وبه أقول. والله أعلم" انتهى.
وقال الباجي في "المنتقى" (2/ 304): " ومن شك في طوافه فأخبره من يطوف معه أنه قد أتم طوافه، قال مالك: أرجو أن يكون في ذلك بعض السعة.
قال الشيخ أبو بكر: هذا استحسان من مالك، والقياس أن يبني على يقينه، ولا يلتفت إلى قول غيره، كما يفعل ذلك في الصلاة.
وما قاله الشيخ أبو بكر فيه نظر، ولقول مالك وجه صحيح من النظر، وذلك أن المكلف لا يرجع في الصلاة إلى قول من ليس معه في العبادة؛ لأنها عبادة شرعت لها الجماعة، وأما العبادة التي لم تشرع فيها الجماعة، فإنه يعتبر فيها من ليس معه في العبادة، كالطهارة والصوم" انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: " وإن شك في عدد الطواف، بنى على اليقين. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك. ولأنها عبادة، فمتى شك فيها وهو فيها، بنى على اليقين كالصلاة.
وإن أخبره ثقة عن عدد طوافه، رجع إليه إذا كان عدلا.
وإن شك في ذلك بعد فراغه من الطواف، لم يلتفت إليه، كما لو شك في عدد الركعات بعد فراغ الصلاة.
قال أحمد: إذا كان رجلان يطوفان، فاختلفا في الطواف، بنيا على اليقين.
وهذا محمول على أنهما شكا، فأما إن كان أحدهما تيقن حال نفسه، لم يلتفت إلى قول غيره" انتهى من "المغني" (3/ 344).
والذي يظهر أن من جوز الاعتماد على قول اثنين أو واحد، هو قائل باعتبار غلبة الظن؛ لأن اليقين لا يحصل بذلك.
والحاصل:
أن العمل بغلبة الظن في تحديد عدد الأشواط جائز، وأن غلبة الظن قد تحصل بخبر من كان مع الطائف، أو الساعي؛ فحيث أفاده خبره غلبة الظن بواحد من الاحتمالين، فله العمل به، وإذا لم يفده خبره غلبة الظن بشيء، عمل باليقين وهو الأقل.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |