عنوان الفتوى : تاريخ تشريع الصيام

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

متى وكيف شرع الصيام فى الإسلام؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

يقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} البقرة: 183، تدل هذه الآية على أمرين، أولهما أن الصيام من فرائض الإسلام وثانيهما أنه كان مفروضا فى الشرائع السماوية السابقة. أما فرضه فى الإسلام فكان على مرحلتين، الأولى صيام يوم عاشوراء، والثانية صيام رمضان، وصيام رمضان نفسه كان على مرحلتين: اختيارية وإجبارية. وبيان ذلك فيما يلى: فى حديث البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة رضى الله عنها أن يوم عاشوراء كانت تصومه قريش فى الجاهلية،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فى الجاهلية فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه -وذلك عندما رأى اليهود يصومونه شكرا لله على نجاة موسى وقومه من الغرق، فقال "نحن أحق بموسى منكم " كما رواه الشيخان -فلما فرض رمضان ترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه. وظاهر هنا أن صوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ وجوبه بفرض رمضان كما ذهب إليه أبو حنيفة وبعض الشافعية، وقيل كان صومه مندوبا مؤكد الندب غير واجب فلما فرض رمضان بقى مندوبا ندبا غير مؤكد وهو الوجه الأشهر عند الشافعية. وبصرف النظر عن وجوبه أو ندبه، فإن صيام النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة ربما كان موافقة لقريش فيما بقى من شريعة سابقة كالحج، أو بإذن من الله سبحانه على أنه فعل من أفعال الخير، وصيامه فى المدينة ليس نزولا على إخبار اليهود له بسببه فقد كان يصومه قبل ذلك، ولكنه استئلاف لهم فيه مع إذن الله له، كما استألفهم باستقبال بيت المقدس وقد كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به من الخير. استمر وجوب صوم عاشوراء سنة واحدة، فقد فرض صيام رمضان فى السنة الثانية من الهجرة فى شهر شعبان لليلتين خلتا منه، وصام النبى صلى الله عليه وسلم رمضان تسع سنوات كما قاله ابن مسعود فى رواية أبى داود والترمذى، وكما قالته عائشة أيضا فى رواية أحمد بسند جيد، وصام منها ثمانية رمضانات تسعة وعشرين يوما، وواحدا ثلاثين يوما. وصوم رمضان أخذ مرحلتين فى فرضه. الأولى مرحلة التخيير بينه وبين الفدية والثانية مرحلة الإلزام بالصيام مع استثناء بعض من لهم أعذار، والمرحلة الإلزامية أيضا كانت على صورتين، وبيان ذلك: أن قوله تعالى {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} البقرة: 184، رأى بعض العلماء أنه منسوخ، مفسرين "يطيقونه " بمعنى: يقدرون عليه فهو فى طاقتهم ووسعهم فمن قدر على الصيام ولا يريد أن يصوم فعليه أن يفعل خيرا وهو إخراج فدية طعام مسكين عن كل يوم، ومن زاد على هذا القدر، فهو خير له ومن صام ولم يخرج فدية فهو خير له. ولما جرب الناس فائدة الصيام ومرنوا عليه اختاروه على الفِطر مع الفدية، وعندما تهيأت نفوسهم لحتميته فرضه الله على كل قادر، ومن كان له عذر من مرض أو سفر فرض عليه قضاء ما أفطره، وبهذا صار التخيير منسوخا، إلا أن أقوال العلماء مضطربة فى تعيين النص الناسخ، فقال بعضهم إنه {وأن تصوموا خير لكم} وقال بعضهم الآخر إنه قوله تعالى فى الآية التالية للآية التى فيها المنسوخ {فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} . روى البخارى أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم فى ذلك فنسختها {وأن تصوموا خير لكم} . ولكن هنا وقفة فى مجىء الناسخ والمنسوخ فى آية واحدة نزلت فيما يبدو مرة واحدة أى دفعة واحدة لا تتجزأ، ولو كان الناسخ آية أخرى تكون قد نزلت بعد فترة لكان ذلك أقرب إلى المعقول، ولعل هذا يتفق مع قول من قال: إن الناسخ هو قوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} الموجود فى الآية التالية لآية الحكم المنسوخ. ويكون قوله تعالى {وأن تصوموا خير لكم} من مكملات التخيير لبيان أفضلية الصوم على الفطر مع الفدية. وهناك جماعة من المفسرين قالوا: إن آية {وعلى الذين يطيقونه فدية. . .} محكمة وليست منسوخة، والمعنى أن الذين يتكلفون الصيام بمشقة شديدة كأنه طوق فى أعناقهم لا يصومون وعليهم الفدية، ومن زاد على مقدارها أو تكلف الصيام فهو خير، وهؤلاء هم كبار السن ومن فى حكمهم. ومهما يكن من شيء فإن الأمر قد استقر عند المجتهدين على أن كبار السن الذين لا يقدرون على الصيام أداء ولا قضاء، وكذلك المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم لا يجب عليهم الصيام، وإنما الواجب عليهم هو إخراج الفدية عن كل يوم. أما المرضى الذين يرجى شفاؤهم فيرخص لهم فى الفطر وعليهم القضاء بنص الآية الكريمة {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} . هذا، وكانت مدة الصيام أول الأمر هى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا لم يفطر الصائم عند الغروب ونام لا يجوز له إذا استيقظ من نومه أن يتناول أى مفطر ويظل صائما إلى غروب شمس اليوم التالى، كما كان قربان النساء ليلا محرما على الصائمين طول الشهر، فشق عليهم ذلك فأباح الله لهم التمتع بالنساء ليلا، ومد لهم فترة الإفطار حتى مطلع الفجر، لا يؤثر على ذلك نوم ولا غيره. . . روى البخارى عن البراء قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسى، وأن قيس بن صرمة الأنصارى كان صائما-وفى رواية كان يعمل فى النخيل بالنهار وكان صائما - فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك. وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك! ! -يعنى تأسفت لنومه -فلما انتصف النهار غشى عليه، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ففرحوا فرحا شديدا.، ونزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} . وفى البخارى أيضا عن البراء قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ... } والخيانة هنا ارتكاب المعصية. وجاء فى تفسير القرطبى فى رواية أبى داود أن عمر رضى الله عنه أراد امرأته فقالت: إنى نمت، فظن أنها تعلل بالنوم فباشرها، كما ذكر الطبرى أن ذلك وقع من كعب بن مالك أيضا، ولما رفع الأمر إلى النبى صلى الله عليه وسلم نزلت هذه الآية. هذا فى تشريع الصيام فى الإسلام، أما قبل الإسلام، فقال بعض المفسرين إن تماثل صيامنا مع صيام من قبلنا هو فى أصل الوجوب وليس فى الكيفية، وقال بعضهم الآخر إن المفروض عليهم كان رمضان ولكنهم غيروا وبدلوا، والأمر لا يعدو مجرد أقوال وآراء دون سند صحيح يعتمد عليه، وقد أورد القرطبى فى تفسيره حديثا لم يبين درجته ولكن أسنده عن دغفل بن حنظلة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا: لئن شفاه الله لنزيدن عشرة، ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه، فقالوا: لئن شفاه الله لنزيدن سبعة، ثم كان ملك آخر فقالوا: لنتمن هذه السبعة الأيام ونجعل صومنا فى الربيع، فصار خمسين ". وغاية ما يعرف بعد الاطلاع على كتب التاريخ وأسفار العهد القديم والجديد أن قدماء اليهود كانوا لا يكتفون فى صيامهم بالامتناع عن الطعام والشراب من المساء إلى المساء، بل كانوا يمضون الصيام مضطجعين على الحصى والتراب فى حزن عميق، واليهود المعاصرون يصومون ستة أيام فى السنة، وأتقياؤهم يصومون شهرا كاملا، وهم الآن يفطرون كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة عند ظهور النجوم. والنصارى يصومون فى كل سنة أربعين يوما اقتداء بالمسيح عليه السلام، وكان الأصل فى صيامهم الامتناع عن الأكل والشرب بتاتا، والإفطار كل أربع وعشرين ساعة، ثم قصروه على الامتناع عن أكل كل ذى روح وما ينتج منه "مجلة الأزهر المجلد الخامس ص 622". وذلك إلى جانب صيام آخر مندوب، وكذلك الصيام عند من ليس لهم دين سماوى، وذلك -مبسوط فى المرجع السابق

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...