عنوان الفتوى : ما حكم الحج والعمرة عن المفقود؟
ما حكم الحج أو العمرة عن شخص مفقود، وهل القيام بحج وعمرة يسقط الفريضة عنه؟
الحمد لله.
أولا:
إذا حكم القضاء الشرعي أن المفقود بحكم الميت، أو دلت الأدلة الواضحة أو القرائن البينة على أن المفقود ميؤوس من بقائه على قيد الحياة، فإنها تجري عليه أحكام الميت؛ من الصلاة عليه صلاة الغائب، وقسمة تركته، ودخول زوجته في العدة، ونحو ذلك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "مذهب الأئمة الثلاثة -أبي حنيفة ومالك والشافعي-: أنه لا بد من مراجعة القاضي، وهو الذي يتولى هذا الأمر ، وهذا متعين ، لا سيما على القول الراجح ، وهو أنه يرجع في الحكم بموته إلى اجتهاد القاضي" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (13/ 374).
وسبق في الموقع جواب مفصل في أحكام المفقود يحسن الرجوع إليه: (274811).
ثانيا:
حكم الحج والعمرة عن المفقود؟ وهل تسقط الفريضة عنه بذلك؟
إذا حكمنا بوفاة المفقود؛ فيجوز الحج والعمرة عنه، في ظاهر الأمر، ويسقط عنه حج وعمرة الفريضة، لأن له أحكام الميت، والحج والعمرة عن الميت جائزان نفلاً أو فرضاً.
فإن خلّف مالاً وكان مستوفياً لشروط الحج والعمرة فإنه يُحج ويُعتمر عنه من تركته ، إلا أن يتبرع شخص بذلك فإنه يجزئ عنه.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (17/75) : "ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه: من مات وعليه حج وجب الإحجاج عنه من جميع تركته، سواء أوصى به أم لا، كما تقضى منها ديونه سواء أوصى بها أم لا. فلو لم يكن له تركة استحب لوارثه أن يحج عنه، فإن حج عنه بنفسه أو أرسل من حج عنه سقط الحج عن الميت، ولو حج عنه أجنبي جاز، وإن لم يأذن له الوارث" انتهى .
قال النووي رحمه الله: "يجوز أن يحج عن الشخص غيره، إذا عجز عن الحج، بموت، أو كسر، أو زمانة، أو مرض لا يرجى زواله، أو كان كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أصلا، أو لا يثبت إلا بمشقة شديدة" انتهى من "روضة الطالبين" (3/ 12).
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة:" إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه ، سواء أوصى بذلك أو لم يوص، وإذا حج عنه غيره ممن يصح منه الحج وكان قد أدى فريضة الحج عن نفسه: صح حجه عنه، وأجزأ في سقوط الفرض عنه" انتهى. من" فتاوى اللجنة الدائمة" (11/100).
ولمعرفة تفاصيل أحكام النيابة في الحج والعمرة يحسن الرجوع إلى الفتوى رقم: (111794).
ثالثا:
إذا رجع الشخص المفقود، أو تبينت حياته، بعد ما حج عنه غيره، أو اعتمر عنه؛ فإن ذلك لا يسقط عنه حجة الإسلام، فإن الحج عنه إنما شرع باعتبار وفاته، في ظاهر الأمر.
فإذا تبينت حياته، فالفقهاء يقولون: " لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ " .
قال السيوطي:
" من فروعها: لو ظن المكلف، في الواجب الموسع أنه لا يعيش إلى آخر الوقت. تضيق عليه، فلو لم يفعله، ثم عاش وفعله: فأداء على الصحيح. ولو ظن أنه متطهر، فصلى، ثم بان حدثه.
أو ظن دخول الوقت، فصلى، ثم بان أنه لم يدخل. أو طهارة الماء، فتوضأ به، ثم بان نجاسته.
أو ظن أن إمامه مسلم، أو رجل قارئ، فبان كافرا، أو امرأة، أو أميا. أو بقاء الليل، أو غروب الشمس، فأكل، ثم بان خلافه.
أو دفع الزكاة إلى من ظنه من أهلها، فبان خلافه، أو رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة شدة الخوف، فبان خلافه، أو بان أن هناك خندقا .
أو استناب على الحج، ظانا أنه لا يرجى برؤه، فبرئ:
لم يَجْزِ في الصور كلها". انتهى، من "الأشباه والنظائر" (157).
وكما أن المفقود إذا رجع، رد عليه ماله، وزوجته؛ فكذلك، إذا حج عنه، ثم بان حيا؛ تبين بذلك أن حجة الإسلام لا تزال في ذمته، وأنها لم تسقط عنه بحج غيره عنه؛ فيلزمه الحج والعمرة عن نفسه، متى كان مستطيعا.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (183321).
والله أعلم.