عنوان الفتوى : هل دوران الحيوانات بشكل دائري دلالة على قرب وقوع حدث، أو علامة لقيام الساعة؟
هل دوران الطيور والحيوانات والأسماك بشكل دائري والجدل الدائر على وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الآونة، ان هذا ينذر بوقوع حدث ما على الأرض، أو من علامات الساعة صحيح؟
الحمد لله.
ليس في خبر الله، ولا خبر رسوله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه، ما يدل على أن دوران الحيوانات من أشراط الساعة، وإن كان المقصود بذلك أنها على وشك الوقوع، فذلك أشد بطلانا؛ لأن الوحي قد نص على أن الساعة لا تقوم إلا بعد أشراط لها، وأن البشر بعد ظهور هذه الأشراط سيعيشون زمنا يرفع فيه الإيمان، فلا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق.
وقد سبق بيان جملة من هذا، كمثل ما ورد في جواب السؤال رقم: (43840).
وأما القول بأنها علامة على قرب وقوع حدث كالزلازل والبراكين، فهو أمر لا يعرف له مستند من الشرع.
وأما أن يكتشف علماء الحيوان ذلك، ويربطون بين حركة معينة للطير، أو غيره من الحيوان، ووقوع الزلازل والبراكين، فهذا يحتاج إلى بحث محقق لعلماء موثوقين في ذلك، وهو ما لم نعلمه حتى الآن. ومازالت الزلازل والبراكين تقع، وفطرة الحيوانات عند شعورها بحدوث أمر مخوف كالزلازل هي أن تفر وتفزع، لا أن تدور دورانا منتظما لا يُشْعِر بخوف ولا بهلع.
ثم إن هذا الدوران ليس علامة مطردة في جميع القُطعان، وإنما هي حالات منفردة هنا وهناك، فالمعقول أنه لو كان علامة على حدث في منطقة ما، أن تعم هذه الصفة جميع قطعان المنطقة.
فالحاصل: أنه لا يصح للمسلم أن يتكلف تفسير مثل هذه الحوادث بلا علم.
قال الله تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء/36.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
" نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ما ليس له به علم، ويشمل ذلك قوله: رأيت، ولم ير. وسمعت، ولم يسمع. وعلمت، ولم يعلم.
ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر " انتهى من "أضواء البيان" (3/682).
ويتأكد النهي عن مثل ذلك التكلف، إذا كنا نجهل حقيقة هذه المقاطع، فالناس في وسائل التواصل يتنافسون على جذب المعجبين من خلال نشر العجائب والغرائب ويتساهل بعضهم في التدليس، أو كتم حقيقة المقاطع التي ينشرها.
والواجب على العاقل: ألا يسارع بتصديق كل ما ينشره أمثال هؤلاء الناس الذين لا يُعرفون بالصدق.
والذي على المسلم أن يفزع منه حقيقةً هو انتشار الفتن والفساد، وتساهل الناس في العصيان؛ فإن المصائب إنما تحل بسبب ذلك.
عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ -وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا-. قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ رواه البخاري (3346)، ومسلم (2880).
فالواجب على المسلم أن يسعى لإصلاح نفسه والدعوة إلى إصلاح غيره، حتى يكثر الصالحون وينقمع أهل الفساد.
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
" قال علماؤنا رحمة الله عليهم: قولها: ( أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ).
دليل على أن البلاء قد يرفع عن غير الصالحين إذا كثر الصالحون " انتهى من "التذكرة" (3/ 1062).
والله أعلم.