عنوان الفتوى : حكم الانحناء للمخلوق
سؤالي حول الانحناء في الفنون القتالية. هل تعتبر شركا أكبر، عند أحد من أهل العلم، إذا كانت لمجرد التحية؟
وإذا كان انحناء لا يصل إلى أقل الركوع (أي لا يمكنه لمس ركبتيه بيديه) هل يعتبر ركوعا؟ وهل قال أحد من أهل العلم إنه شرك أكبر حتى لو لم يصل إلى حد أدنى الركوع؟ وهل آثم إذا لم أَنْحَنِ، ولكن الخصم انحنى لي انحناء قد يصل إلى أدنى الركوع؟
إذا قال الإنسان مازحا لأصدقائه: هذه عندما كنت في أيام الجاهلية. وهو يقصد بذلك قبل توبته. هل في هذا محذور؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء الشرع بالمنع من الانحناء للمخلوق، ففي حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ، أَوْ صَدِيقَهُ، أَيَنْحَنِي لَهُ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: أَفَيَلْتَزِمُهُ، وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. اهـ. رواه أحمد والترمذي.
ولا يعتبر شركا أكبر إذا وقع لمجرد التحية، ولم يقصد به المنحني تعظيم المخلوق كتعظيم الله.
قال الشيخ ابن عثيمين: وأما الانحناء فإنه حرام, لكن لا يصل إلى حد الشرك. اهـ.
ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال إنه إذا كان لمجرد التحية يكون كفرا مخرجا من الملة، إلا إذا قُصِدَ به تعظيمُ المخلوق كتعظيم الله؛ فإنه يكفر فاعله.
قال البجيرمي -الشافعي- في حاشيته: الانحناء لمخلوق كما يفعل عند ملاقاة العظماء، حرام عند الإطلاق، أو قصد تعظيمهم لا كتعظيم الله، وكفر إن قصد تعظيمهم كتعظيم الله تعالى. اهـ.
ومثله قول ابن علان: من البدع المحرمة الانحناء عند اللقاء بهيئة الركوع. أما إذا وصل انحناؤه للمخلوق إلى حد الركوع، قاصداً به تعظيم ذلك المخلوق، كما يعظم الله -سبحانه وتعالى- فلا شك أن صاحبه يرتد عن الإسلام، ويكون كافراً بذلك، كما لو سجد لذلك المخلوق. اهـ.
ومن انحنى لك، لا بد أن تنهاه قياما بواجب النهي عن المنكر، ولا يكفيك أن تسكت.
والانحناء اليسير الذي لا يصل إلى حد الركوع مكروه.
جاء في حاشية الشرواني: أَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ خَفْضِ الرَّأْسِ، وَالِانْحِنَاءِ إلَى حَدٍّ لَا يَصِلُ بِهِ إلَى أَقَلِّ الرُّكُوعِ، فَلَا كُفْرَ بِهِ، وَلَا حُرْمَةَ أَيْضًا. لَكِنْ يَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ. اهـ.
قال النووي في المجموع، مبينا حد الركوع في الانحناء: قالَ أَصْحَابُنَا: أَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ تَنَالُ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ، لَوْ أَرَادَ وَضْعَهُمَا عَلَيْهِمَا. وَلَا يُجْزِيهِ دُونَ هَذَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا. وَهَذَا عِنْدَ اعْتِدَالِ الْخِلْقَةِ، وَسَلَامَةِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ. اهــ.
ولا نرى حرجا في قول القائل عن أمر محرم كان يفعله، وتاب منه: "هذا في أيام الجاهلية" وانظر الفتوى: 76341.
والله أعلم.