عنوان الفتوى : حكم من لا يؤمن بوجود الحب
ما حكم من يقول أنا لا أؤمن بوجود الحب، أو فقدت الإيمان بالحب، هل هذا كفر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الكلمة مجملة، لا ينبغي الحكم عليها إلا عند الاستفصال، فإن كان مقصود قائلها أنه لا يؤمن بوجود حب العبد لربه، أو أنه فقد الإيمان بحب الله، فقائل ذلك على خطر عظيم، فإن نفي حب العبد لربه من الكفر، بل من أحب الله، ولكنه ساوى محبة غير الله بمحبة الله كان مشركًا، قد اتخذ هذا المحبوب نداً لله. قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ {البقرة:165}.
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة: فمن أحب شيئاً غير الله كما يحب الله، فهو من المشركين لا من المؤمنين. اهـ.
ومثله في الحكم توابع حب الله، من حب رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحب دينه، والحب في الله ولله، فإن وجود ذلك في قلب العبد دليل على إيمانه، ونفيه بالكلية دليل على كفره.
قال تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {التوبة:24}.
قال البيهقي في الشعب: أبان بهذا أن حب الله ورسوله فرض. اهـ.
وقال القرطبي في التفسير: وفي الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب. اهـ.
وفي الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين. متفق عليه.
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار. وفي سنن أبي داود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان.
هذا؛ ومن لوازم الحبِّ في الله البغضُ في الله، فيدخل في ذلك بغض الشرك والمعاصي وأهلها، وعدم محبتهم.
وأما إن كان مقصود قائلها أنه لا يؤمن بوجود الحب الطبيعي الذي جُبل عليه الناس من حب الولد والزوجة وما يلائمه من الأكل والشرب ونحوها، فإنكار ذلك ونفيه، مكابرة وسفه، وإن كان لا يترتب عليه كفر ولا إيمان.
وإن كان السائل يقصد غير ذلك، فليبين لنا مقصوده بوضوح.
والله أعلم.