عنوان الفتوى : إذا كان للوكيل في توزيع الزكاة دين على غارم، فهل له أن يقضي نفسه الدين دون الرجوع للغارم؟
صهري وكله بعض المزكين لإخراج زكاة أموالهم، فقال لي: هل تعرف أحدا يستحق الزكاة؟ فقلت له نعم، لي دين عند شخص، وهو متعسر في سداده منذ ٣ سنوات أو أكثر، ولم أذكر له مقدار الدين، فقال لي: خذ من المال الذي سأرسله لك وذلك دون علم المدين، وكنت قد كلمته على بعض المستحقين قبل ذلك، فأرسل لي ٣٠٠٠٠ جنيه، فدفعت لبعض المستحقين ١٠٠٠٠ جنيه، وأخذت ٢٠٠٠٠ جنيه بما يعادل نصف الدين الذي لي عند هذا الشخص المتعثر، فهل ما فعلته جائز أم لا، أن أكون قابضا للدين الذي لي في بعض المال ووكيل في البعض الآخر لأخرجه للمستحقين؟ وهل إذا قلت لصهري اذهب لهذا الشخص المتعثر، وادفع له المال؛ لأنه مدين، وأنا أعلم أنه ليس عليه دين لغيري، فهل يكون ذلك من التحايل أم لا؟ وهل لو دفعت للمدين المال مباشرة مع علمي اليقيني أنه سيرده لي؛ لأني سأخبره أن هذا المال دُفع له من أجل دينه فقط، ولا يحق له صرفه في غيره، هل أكون بذلك تصرفت لمصلحة نفسي، لأنني أيضا أضمرت في نيتي أني سأدفعه له لكي يدفع لي ديني الذي عنده؟
الحمد لله.
أولا:
إذا كان المدين لا يجد سدادا لدينه من نقود أو عقار أو غير ذلك، مما يزيد على حوائجه الأصلية، جاز إعطاؤه من الزكاة لدخوله في صنف "الغارمين".
قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة /60.
ثانيا:
يجوز أن تُعطى الزكاة مباشرة إلى الدائن، ولا يجب تمليكها للمدين.
قال المرداوي رحمه الله: " لو دفع المالك إلى الغريم، بلا إذن الفقير، فالصحيح من المذهب: أنه يصح ... قال في "الرعايتين"، و "الحاويين": جاز على الأصح، وكلام الشيخ تقي الدين ابن تيمية يقتضيه " انتهى من "الإنصاف" (7/246).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " وهل يجوز أن نذهب إلى الدائن، ونعطيه ماله دون علم المدين؟
الجواب: نعم يجوز؛ لأن هذا داخل في قوله تعالى: ( وَفِي الرِّقَابِ ) فهو مجرور بـ "في" و ( وَالْغَارِمِين) عطفا على الرقاب، والمعطوف على ما جر بحرف يقدر له ذلك الحرف، فالتقدير: "وفي الغارمين"، و "في" لا تدل على التمليك، فيجوز أن ندفعها لمن يطلبه.
فإن قال قائل: هل الأولى أن نسلمها للغارم، ونعطيه إياها ليدفعها إلى الغريم، أو ندفعها للغريم؟
فالجواب في هذا تفصيل:
إذا كان الغارم ثقة حريصا على وفاء دينه، فالأفضل بلا شك إعطاؤه إياها، ليتولى الدفع عن نفسه؛ حتى لا يخجل، ولا يذم أمام الناس.
وإذا كان يخشى أن يفسد هذه الدراهم فإننا لا نعطيه، بل نذهب إلى الغريم الذي يطلبه ونسدد دينه " انتهى من "الشرح الممتع" (6/ 234 - 235)
وسُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى؛ عن جمعية خيرية تقوم بالتسديد عن الغارمين من الزكاة الواردة إليها دون أن تعطيها للغارم نفسه.
فأجاب رحمه الله تعالى: " لا حرج في أن تقوم الجمعية بتسديد الدين عن المعسرين بدون إذنهم، في أصح قولي العلماء، وإن أخذت إذنهم، أو وكلوا من يقوم مقامهم في قبض الزكاة من الجمعية وتسليمها لأهل الدين: فهو حسن، وفيه خروج من الخلاف.
والمشروع للجمعية أن تتحرى في ذلك الأشد حاجة من الفقراء الموجودين في البلد والغارمين، حتى ينال كل منهم نصيبه " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/277).
وعليه؛ فيجوز لصهرك أن يدفع لك 20 ألفا مثلا من الزكاة، وفاء لبعض دين هذا الغارم العاجز عن الأداء.
ويجوز أن يعطيها للغارم، ويؤكد عليه أنها لسداد الدين.
ويجوز أن تعطيها أنت للغارم، مع علمك أنه سيوفي بها دينك، إذا كان ذلك بغير شرط، وكان صهرك مأذونا له في توكيل غيره كما سيأتي.
فهذه ثلاث صور جائزة.
وأما إذا وكلك صهرك في التوزيع، كما هو الظاهر من سؤالك، فقضيت دين الغارم لنفسك، ففيه أمران:
الأول: أن توكيل الوكيل لغيره، فيه تفصيل وخلاف بينّاه في جواب السؤال رقم: (318697).
الثاني: أن الوكيل في التوزيع يتصرف حسب الإذن، ويراعي المصلحة، وقد لا يكون من المصلحة إعطاء غارم واحد 20 ألفا، وأما أنت فمتهم في محاباة لنفسك.
فلو كان صهرك قد أذن له صاحب المال في التصرف التام أن يوزع بنفسه وبغيره، ولا مانع عنده من إعطاء غارم واحد 20 ألفا، فلا حرج فيما قمت به.
والله أعلم.