عنوان الفتوى : ناب عنه والده في عقد النكاح، من غير تصريح بالوكالة ووكل الأب الخال في إجراء العقد
نحن في بلدنا يتم عقد الزواج من قبل الإمام، وقبل الوليمة، ولا يحضر الزوج بل يتولى أبوه عقد القران عليه . السؤال حول الوكالة بحيث لم إقل لوالدي أنني وكلتك، بل أنا أعرف تلقائيا أنه هو الذي يتصرف في الأمر، وأحيانا يقوم والدي بتوكيل خالي في مكانه لتولي العقد من دون أن اتلفظ أنا بجملة أني وكلتك، إنام أعرف تلقائيا أن والدي أثناء العقد إما أن يتقدم هو، أو يختار شخصا، ويترك لهو مهمة القبول علي، فهل يجب التلفظ بالجملة لتصح الوكالة في العقد ؟
الحمد لله.
أولا: معنى التوكيل وصيغته
التوكيل : المقصود منه: إذن الموكل لوكيله بالتصرف نيابة عنه، والمقصود من الصيغة حصول التراضي بين الطرفين حول هذا الإذن.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (45 / 8):
" الصيغة هي الإيجاب والقبول، ويُعبر بهما عن التراضي، الذي هو ركن في عقد الوكالة، كسائر العقود الأخرى.
والوكالة عقد تعلق به حق الوكيل والموكل؛ فافتقر إلى رضاهما " انتهى.
وإظهار هذا التراضي في التوكيل: لم يقيده الشرع بصيغة معينة، فيُرجع فيه إلى العرف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الإذن العرفي في الإباحة أو التمليك أو التصرف بطريق الوكالة: كالإذن اللفظي.
فكل واحد من الوكالة والإباحة : ينعقد بما يدل عليها ، من قول وفعل، والعلم برضا المستحق، يقوم مقام إظهاره للرضا.
وعلى هذا يُخرج مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان بيعة الرضوان، وكان غائبا، وإدخاله أهل الخندق إلى منزل أبي طلحة ومنزل جابر بدون استئذانهما؛ لعلمه أنهما راضيان بذلك...
فإن التصرف بغير استئذان خاص - تارة بالمعاوضة، وتارة بالتبرع، وتارة بالانتفاع - مأخذه: إما إذن عرفي عام، أو خاص " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29 / 20 - 21).
وقال الحطاب الرعيني في شرحه "مختصر خليل": " (بما يدل عرفا).
تنبيهات:
الأول: قال البساطي في شرح كلام المصنف: يعني ليس للوكالة صيغة خاصة، بل كل ما دل لغة أو عرفا، فإنها تنعقد به، فإن خالف العرفُ اللغةَ ، فالمعتبر العرف. انتهى. وهو راجع لما قلناه من أن المعتبر العرف. والله أعلم.
الثاني: من العرف في الوكالة : الوكالة بالعادة... " انتهى من "مواهب الجليل" (5 / 581).
فالحاصل؛ أن نيابة والدك عنك في عقد هذا النكاح، منعقدة بالعادة المتعارف عليها بينكم.
ثانيا: توكيل الوكيل لوكيل آخر
توكيل والدك لخالك، هو من باب توكيل الوكيل لوكيل آخر.
وفي هذا تفصيل.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (45 / 81): " توكيل الوكيل: قد يكون بإذن من الموكل أو بدون إذنه، وقد يطلق الموكل الوكالة، فلا يأذن بالتوكيل ولا ينهى عنه. وتفصيل ذلك فيما يلي:
أ - حالة الإذن بالتوكيل:
اتفق الفقهاء على أنه يجوز توكيل الوكيل غيره إذا أذن الموكل له في ذلك؛ لأن الوكالة عقد أذن له فيه بالتوكيل، فجاز له فعله، كأي تصرف مأذون فيه.
ب - حالة النهي عن التوكيل:
اتفق الفقهاء أيضا على أنه لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره إذا نهاه الموكل عن ذلك، لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه، فلم يجز له التوكيل، كما لو لم يوكله مطلقا، والموكل لم يرض إلا بأمانته هو فقط.
جـ - حالة التفويض:
حالة التفويض هي كأن يقول الموكل للوكيل: اصنع ما شئت، أو تصرف كيف شئت، أو اعمل برأيك.
واختلف الفقهاء في توكيل الوكيل غيره في هذه الحالة:
فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة: إلى أنه يجوز للوكيل أن يوكل، وذلك لإطلاق التفويض إلى رأيه.
وذهب الشافعية: إلى أن التفويض بهذه الألفاظ لا يكون إذنا بالتوكيل، فلا يجوز للوكيل إذن أن يوكل غيره، لأن مثل هذه الألفاظ يحتمل ما شئت من التوكيل، وما شئت من التصرف فيما أذن له فلا يوكل بأمر محتمل كما لا يهب.
د - حالة الإطلاق:
إذا صدرت الوكالة مطلقة، دون إذنه للوكيل بالتوكيل، أو نهيه عنه، ودون تفويضه:
فاختلف الفقهاء في المسألة على رأيين:
الرأي الأول: ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المذهب): إلى أن الوكيل ليس له أن يوكل غيره فيما وكل به، لأنه فوض إليه التصرف دون التوكيل به، ولأنه إنما رضي برأيه، والناس يتفاوتون في الآراء، فلا يكون راضيا بغيره.
ونص الحنفية على أنه ليس للوكيل أن يوكل ما وكل به، إلا أن يأذن له الموكل، أو يفوض له بأن يقول له: اعمل برأيك، أو اصنع ما شئت، لإطلاق التفويض إلى رأيه.
فإن وكل بغير إذن موكله، فعقد وكيل الوكيل بحضرة الوكيل الأول: جاز، لانعقاده برأيه.
وكذا إن عقد بغير حضرته، فأجازه الوكيل الأول: جاز أيضا، لنفوذه برأيه " انتهى.
والذي يظهر أن توكيلك لوالدك بحسب العادة يتضمن تفويض الأمر إليه، فيصح أن يوكل غيره عند الجمهور، وقد ذكرت أنك تعلم أنه قد يقوم بتوكيل خالك.
ثالثا: نكاح الفضولي
على فرض أن ما صدر منك يقتصر على توكيل والدك بحسب العادة، ولا يعتبر تفويضا له ليفعل ما يراه، فإن خالك يكون قد عقد النكاح لك بلا وكالة، فهو نكاح فضولي.
وقد اختلف الفقهاء في نكاح الفضولي على أقوال، فمنهم من أبطله، وعليه يلزم تجديد العقد.
ومنهم من جعله موقوفا على الإجازة، وهو قول أبي يوسف وأحمد في رواية، وهو قول أبي حنيفة ومحمد: إذا لم يتول الفضولي طرفي العقد، بأن عقد للمرأة وليها، وهو قول المالكية، إذا لم يكن الولي مجبِرا، والولي هنا ليس مجبرا للابن البالغ.
وينظر: "الموسوعة الفقهية" (32/ 174).
وعليه: فإن الجمهور على أن صحة النكاح هنا موقوفة على الإجازة، فإن أجزته فالعقد صحيح.
وإن أردت مزيداً من الاطمئنَانِ والخروج من خلاف أهل العلم فأعد عقد النكاح، فتعقده بنفسك مع ولي المرأة في حضور شاهدين، أو توكل أنت من يعقده عنك، أباك أو غيره.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |