عنوان الفتوى : هل القول بأن فضائل نبينا صلى الله عليه وسلم لا تحصى من الغلو؟
هل يعتبر ما يلي من الغلو، لو أنَّ أشجارَ الدنيا أقلامٌ والبحارَ مدادٌ والإنسَ والجنَّ كتّابٌ ما أحصوا فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
الحمد لله.
نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وإمامهم، ومُقَدَّمُهم يوم القيامة، وسيدُ ولدِ آدم، وصاحب الشفاعة العظمى، والمقام المحمود، وبيده لواء الحمد يوم القيامة، وأول من يدخل الجنة، فلا تفتح لأحد قبله، إلى غير ذلك من فضائله العظيمة الثابتة في الكتاب والسنة.
قال ابن قدامة رحمه الله: "محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وسيد المرسلين، لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته، ولا يُقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته، ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته، صاحب لواء الحمد، والمقام المحمود، والحوض المورود، وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم، أمته خير الأمم، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام" لمعة الاعتقاد، ص35
وينظر للفائدة كتاب: "بداية الرسول في تفضيل الرسول" للعلامة عز الدين ابن عبد السلام.
وينبغي أن يهتم المسلم بمدارسة كتاب "الشمائل المحمدية" للإمام الترمذي، مع كتاب من كتب السيرة النبوية، وما أكثرها.
وأما القول الذي ذكرت، فإنه غلو واضح؛ فإن الفضائل إنما تعلم من الوحي كتابا وسنة، ويمكن جمعها وإحصاؤها وكتابتها في كتاب كما فعل أصحاب السنن والسير والشمائل، دون حاجة إلى ما ذكر من المبالغة والغلو، ولو كان الأمر كما ذكروا، فمن أين عرفوا هذه الفضائل إذا لم تكن مدونة ومحصاة؟!
ولسان حالهم يقول : إن له فضائل غير مدونة ولا معلومة، ولا يخفى ما في ذلك من الباطل، والقول على الله بغير علم.
وإذا قدر أن مرادهم صحيح، فلا شك أن القول المذكور غاية في الغلو، والدعوى الباطلة. ولا شك أن هؤلاء واقعون فيما حذر منه النبي صلى الله عليه من المبالغة في مدحه.
روى البخاري (3445) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله: (لا تطروني) الإطراء الإفراط في المدح" انتهى من "فتح الباري" (1/79).
وقال: "قوله: (لا تطروني) والإطراء المدح بالباطل، تقول: أطريت فلانا، مدحته فأفرطت في مدحه.
قوله: (كما أطرت النصارى ابن مريم) أي في دعواهم فيه الإلهية وغير ذلك" انتهى من "فتح الباري" (6/490).
وقال ابن الملقن رحمه الله: "ومثله قوله عليه السلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، قولوا: عبد الله، فإنما أنا عبد الله ورسوله)؛ أي: لا تصفوني بما ليس بي من الصفات، تلتمسون بذلك مدحي، كما وصفت النصارى عيسى بما لم يكن فيه فنسبوه إلى البنوة، فكفروا بذلك وضلوا.
فأما وصفه بما فضله الله به وشرفه: فحق واجب على كل من بعثه الله إليه من خلقه، وذلك كوصفه - عليه السلام - نفسه بما وصفها فقال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض).
وفي هذا من الفقه: أن من رفع امرأً فوق حقه، وتجاوز به مقداره بما ليس فيه: فمتعدٍّ آثم؛ لأن ذَلِكَ لو جاز في أحد، لكان أولى الخلق به نبينا عليه الصلاة والسلام، ولكن الواجب أن يقصر كل أحد على ما أعطاه الله من منزلةٍ، ولا يعدى به إلى غيرها من غير قطع عليها" انتهى من "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (28/ 400).
فالواجب الحذر من مخالفته صلى الله عليه وسلم، ومن القول على الله بغير علم؛ فإن ذلك من عظائم المحرمات، وقد قرنه الله بالشرك فقال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
وقال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الاسراء/36
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (149564)، ورقم: (310708)، ورقم: (359507).
والله أعلم.