عنوان الفتوى : بيان الغلو في قصيدة: كل القلوب إلى الحبيب تميل
هل في هذه الأبيات إشكال خاص في قوله : "إن صادفتني من لدنك عناية" وفي قوله في "حماك نزيل" إليكم الأبيات : كلُّ القُلوبِ إلىَ الحبيبِ تَمِيْلُ وَمعَيِ بِهـَذَا شـَـاهدٌ وَدَلِيِــــلُ أَمَّا الــدَّلِيِلُ, إذَا ذَكرتَ محمدا ً فَتَرَى دُمُوعَ العَارِفِيْنَ تسيلُ هَذَا مَقَالِيِ فِيْكَ يَا شَرَفَ الْوَرَى وَمَدّحِي فِيْكَ يَا رسُولَ اللهِ قَلِيْلُ هَذَا رَسُــولُ اللهِ هذا المُصْطَفَىَ هَذَا لِـــرَبِ العـــَـالمينَ رَسُــولُ إِنْ صــَادَفَتْنِيِ مِنْ لَدنْكَ عِنَايَةٌ لِأَزُوُرَ طَيْبَةَ والــنَّخِـَيلَ جَمِيْلُ يَا سَيِّدَ الكَوْنينِ يَا عَــلمَ الهُدىَ هَذَا المُتيَمُ فيِ حِمـَـــاكَ نَزِيـْـلُ هَذَا النبيُّ الْهَاَشِميُ مُحَمَّدٌ هَذَا لكلِّ العـَـــالمينَ رَسُـــولُ هَذَا الـَّـــذِيِ رَدَّ العُــــُيونَ بِكَفِّهِ لَمَّاَ بَدَتْ فَوْقَ الـــخُدَودِ تَسِـْيلُ يَـَا رَبِّ إِنِّيِ قَـْد مَدَحْـتُ مُحَمَّدَاً فِيِهِ ثَوَابِيِ وَلِلْـــــمَدِيِــحِ جَزِيـِـلُ صَلَّىَ عَلَيْكَ اللهُ يَا عَلَمَ الْهُدَىَ مَاَ لَاحَ بَدْرٌ فِيِ السَّمَاَءِ دَلِيِلُ صَلَّىَ عَلَيْكَ اللهُ يَاَ عَــلَمَ الهُدَىَ مَاَ حَنَّ مُشتَـــــاقٌ وَسَــاَرَ جَمِيْلُ هَذَا رَسَولُ اللهِ نِبْرَاسَ الهُدَىَ هَذَا لكلِّ العـَـــالمينَ رَسُـــولُ
الحمد لله.
هذه القصيدة في بعض أبياتها ألوان من الغلو المذموم.
وأظهره هنا ، قول الشاعر:
إنْ صــَادَفَتْنِيِ مِنْ لَدنْكَ عِنَايَةٌ لِأَزُوُرَ طَيْبَةَ والــنَّخِـَيلَ جَمِيْلُ
يَا سَيِّدَ الكَوْنينِ يَا عَــلمَ الهُدىَ هَذَا المُتيَمُ فيِ حِمـَـــاكَ نَزِيـْـلُ
فالعناية التي يتمكن بها الإنسان من زيارة طيبة، لا تكون إلا من الله تعالى، فمنه وحده الإعانة والتيسير، ولهذا كان من قول كل مؤمن: (وإياك نستعين).
ولا مدخل لعناية رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأمر الناس، ولا تدبير شؤونهم ، أو تسيير أمورهم ، وهو في حياته؛ فكيف وهو في قبره، صلى الله عليه وسلم؟!
فكان على الشاعر أن ينسب ذلك إلى الله تعالى الذي بيده ملكوت كل شيء، ومنه العون والمدد، والتيسير ، والتدبير ؛ ولو أنه فعل ذلك، لم يشك أحد في صحة المعنى واستقامته.
ولا شك أن نسبة العون إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، أو طلبه منه: من الشرك الذي توعد الله أهله، وأخبر أنه لا يُغفر.
قال الله تعالى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأعراف/188.
وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ يونس/106 .
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير (12/ 304): "يقول تعالى ذكره: ولا تدع يا محمد من دون معبودك وخالقك، شيئا لا ينفعك في الدنيا، ولا في الآخرة، ولا يضرك في دين ولا دنيا، يعني بذلك الآلهة والأصنام، يقول: لا تعبدها، راجيا نفعها، أو خائفا ضرها؛ فإنها لا تنفع ولا تضر، فإن فعلت ذلك، فدعوتها من دون الله: فإنك إذا من الظالمين يقول: من المشركين بالله، الظالمي أنفسهم" انتهى.
وقد حكى غير واحد من أهل العلم العلماء الإجماع على كفر من يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط، يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار؛ مثل أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين " انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/ 124).
وهذا الإجماع نقله غير واحد من أهل العلم مقرين له، وانظر في ذلك: الفروع لابن مفلح (6/ 165)، "الإنصاف" (10/ 327)، "كشاف القناع" (6/ 169)، "مطالب أولي النهى" (6/ 279).
قال في "كشاف القناع" ، بعد ذكر هذا الإجماع في باب حكم المرتد: "لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) " انتهى.
وقال الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله: "ولو جاء إنسان إلى سرير الميت، يدعوه من دون الله، ويستغيث به؛ كان هذا شركاً محرماً، بإجماع المسلمين" انتهى من "الصارم المنكي في الرد على السبكي"، ص325
وقال رحمه الله: "وقوله: إن المبالغة في تعظيمه واجبة.
أيريد بها المبالغة، بحسب ما يراه كل أحد تعظيماً، حتى الحج إلى قبره والسجود له، والطواف به، واعتقاد أنه يعلم الغيب، وأنه يعطي ويمنع، ويملك لمن استغاث به من دون الله الضر والنفع، وأنه يقضي حوائج السائلين ويفرج كربات المكروبين، وأنه يشفع فيمن يشاء، ويدخل الجنة من يشاء؟!
فدعوى وجوب المبالغة في هذا التعظيم: مبالغة في الشرك، وانسلاخ من جملة الدين" انتهى من "الصارم المنكي في الرد على السبكي"، ص346
والحاصل:
أن نسبة ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته: شرك في الربوبية.
وطلبه منه: شرك في الألوهية.
والواجب البعد عن الشرك كله، ونصح من ينشد هذه القصيدة، أو من ينشرها بين الناس، وبيان ما فيها من الغلط.
وأما قوله: " هَذَا المُتيَمُ فيِ حِمـَـــاكَ نَزِيـْـلُ"
فإن أراد به أنه نازل في المدينة، وهي حِمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا لا إشكال فيه. وهذا هو الأقرب.
وإن أراد أنه نازل في حماية رسول الله صلى الله عليه وجنابه، كما قد يريده الجهال، وأهل الغلو: فهذا شرك في الربوبية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك حماية أحد بعد موته، بل الله رب العالمين، هو الذي له ذمة الحماية لمن شاء من خلقه، وهو الذي يجير ولا يجار عليه، سبحانه.
قال سبحانه: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ المؤمنون /88، 89 .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |